ـ(307)ـ قسم القضاء هو من أعظم الفرائض التي أهتم بها علماء المسلمين ونوهوا بجليل خطره، ووضعوا لمن يتولاه الشروط الدقيقة الخاصة، وكانوا يفرقون من تحمل مسئوليته خشية من الله، غايته إقامة العدل ورفع الخصومات وتنفيذ أحكام الشريعة وقد جاء في الكتاب المشهور الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الاشعري حين ولاه القضاء بشأنه ما يأتي: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدى إليك، فإنه لا ينفع تلكم بحق لإنقاذ لـه، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، إلى آخر هذا الكتاب، الذي بين كثيراً من أسس القضاء العادل. ومن فروع هذه الولاية: النظر في المظالم وهو نوع من القضاء العالي ابتكره الإسلام، تكون لـه سلطة أوسع ويمتزج بالرهبة، فيتولاه الخليفة نفسه أو كبار القضاة لأن الغاية منه ان يحاكم كبار أصحاب النفوذ في المجتمع أو الولاة أنفسهم، أو عمال الدولة، الموظفين. إذا اعتدوا على الناس(وهذا يشبه بعض اختصاصات مجلس الدولة الآن، أو المحاكم العالية التي تنشأ في ظروف خاصة، أو محاكم تؤلف للنظر في الشكاوي المتعلقة بأعماله رجال الإدارة) وهذا ما نص عليه الماوردي، بشأن اختصاص نظر المظالم، قال: القسم الأول النظر في تعدي الولاة على الرعية، وأخذهم بالعسف في السيرة، فهذا من لوازم النظر في المظالم، فيكون لسيرة الولاة متصفحا فيكفهم ان عسفوا ويستبدل بهم ان لم ينصفوا وقال: القسم الثاني جور العمال فيما يحبونه من الأموال، فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة، وقال: والقسم الثالث: كتاب الدواوين لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم ثم عقّب قائلاً: وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج