ـ(250)ـ وفي محاولتنا هذه عمدنا إلى وضع أوليات لدراسة الدولة الإسلامية وآلية عمل السلطات فيها متبعين منهج المقارنة بين الرؤية الوضعية التي أسست وفقا لها الدولة الحديثة وبين تجربتي الحكم الإسلامي ـ الحكومة النبوية ـ وفترة الحكم الراشدي علنا في ذلك نضع أساسا لدراسات أوسع وأعمق في هذا المجال، ولم نغفل تحديد المصطلحات المتداولة في هذا المضمار مشيرين إلى التوافق فيما ذهب إليه مشرعو القانون الوضعي قديما وحديثا وما تضمنته "وثيقة المدينة" التي حدد فيها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أركان الدولة ومرجعيتها الفكرية وطرق تعاملها فضلا عما أخذناه من الواقع الفعلي لتطبيق الإسلام أبان العهد النبوي المبارك وفترة الخلفاء بعده. والله ولي التوفيق. مفهوم الدولة: لم يتفق علماء القانون الوضعي على تعريف موحد لـ "الدولة" إذ نجد لكل منهم تعريفا خاصاً لها يختلف عن غيره. فالفقيه "ديجي" يرى جواز إطلاق كلمة الدولة على كل تنظيم للجماعة السياسية في أي مجتمع من المجتمعات، ولو كان هذا المجتمع بدائياً، لتوافر وجود جماعة حاكمة، وأخرى محكومة خاضعة لا وأمر الجماعة الحاكمة. ووفقا لهذا المفهوم يكنون نشأة الدولة الإسلامية بقيادة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم في مكة حيث اتسع الحيز الذي يخضع ويتلقى توجيهاته وتعليماته من الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم. فالبعض هاجر إلى الحبشة بأمره، والآخر هاجر إلى المدينة قبل هجرة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، ووزع الجماعة المؤمنة على أطراف مكة وخارج حدود الجزيرة تبشيرا بالدعوة والرسالة الجديدة. ويعرف علماء القانون الدستوري الدولة تعريفات تختلف حسب المعايير التي يضعونها لمفهوم الدولة.