ـ(15)ـ حالة الاهتزاز السياسي... وهناك الاجتهاد الذي يتحرك في الساحة الفكرية أو السياسية في مواجهة الاجتهاد الآخر الذي يتبناه فريق آخر من الأمة، فيما يراد منه الوصول إلى نتيجة حاسمة في اكتشاف المصلحة الأهم والأقوى في القضايا المطروحة في ساحة البحث، ليستهدي بها الولي الفقيه في اتخاذ قراراته، أو للتعرف على ما هو الخطأ والصواب فيما اتخذ من القرارات ليؤكدها في حالة اكتشاف الصواب، أو ليغيرها في حالة اكتشاف الخطأ. فليس في الأمر أي تمرد أو عصيان، بل كل ما في الأمر ان هناك حركة في اتجاه تحقيق الرشد الفكري أو السياسي للقيادة وللأمة، في إصدار القرار أو في التصويت عليه، فيما يرجع الأمر إليها في طبيعة القرار. وفي ضوء ذلك فلا مشكلة في حركة التنوع الاجتهادي في الأمة، بل ربما كان في ذلك نوع من الغنى الفكري الذي يتيح للمسألة أن تتخذ مواقعها في دائرة التطبيق في أكثر من احتمال، حيث تتسع دائرة الاختيار في احتمالات المسألة لمن يملك أمر الاختيار في ذلك. وقد نستطيع أن نستجيب في مسألة الحرية، حتى للرأي المعارض للقرار الرسمي، فإن هناك فرقاً بين فكر مضاد يطرحه المفكرون على أساس الشعب الذي يعمل على إرباك الواقع من موقع الاهتزاز، لا على أساس الترشيد والتسديد من خلال التنبيه، وبين فكر معارض يطرحه المعارضون على أساس إثارة المسألة لدى المعنيين في الاتجاه الآخر، لأن هناك خللاً يراد لهم أن يكتشفوه، أو لان هناك خطأ لابد أن يصححوه، فلا مانع من الانفتاح على المعارضة في الخط الثاني، في الوقت الذي نتحفظ فيه في الخط الأول، تبعا لما هي المصلحة العليا في الواقع. ولعل الذين يسجلون تحفاظتهم على المعارضة الفكرية في داخل الدولة الشرعية، يتصورون ان الإسلام يغلق على المفكرين أبواب الاعتراض على فكر الدولة، حتى في اكتشاف الخطأ لديهم في ذلك كله.