ـ(86)ـ الأمين، وفيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره(1). وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: "أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه"(2). وقال صلى الله عليه وآله: "إنّ أهل القرآن أعلى درجةً من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فإنّ لهم من الله العزيز الجبّار مكاناً علياً"(3). ومن هنا كانت للقرآن الدرجة الأُولى من أهمية لدى المسلمين في الصدر الأوّل، ولهم رغبة عظيمة في تعلّمه وحفظه وتلاوته، وكانوا يستفيدون من ينابيع علمه وحكمته في ضوء ما كان النبي صلى الله عليه وآله يبيّن لهم من معاني آيات القرآن ومعارفه، حتّى ارتحل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى، فقامت ثلّة من علماء الصحابة وأكابرهم بتعليم القرآن وتفسيره، ثمّ تبعتهم جماعة من علماء التابعين، وقد استمرّ الأمر- ولله الحمد- إلى عصرنا الحاضر، وقد مرّت على علم التفسير- عبر هذه القرون المتمادية- مراحل ومظاهر من التطوّر يتطلّب البحث عنها مجالاً واسعاً، وليس هذا موضوع دراستنا في هذه الرسالة. إنّ الذي نريد أن نبحث عنه هنا هو الشروط والقواعد التي يتوقّف عليها التفسير بوصفه ناجحاً وبعيداً عن التفسير بالرأي الذي حذّرنا النبي الكريم صلى الله عليه وآله منه، وهنا عشرون قاعدة بين كونها علمية فكرية، أو عملية ومنهجية، وبين كونها إيجابية يجب الأخذ بها عند تفسير القرآن، أو سلبية التجنّب عنها. ودراستنا ليست مستوعبة وشاملة لجميع ما ذكروا في مباحث علوم القرآن ونحوها، وإنّما هي أكثر وأهم تلك القواعد والشروط، مراعية جانب الإيجاز والاختصار بمقدارٍ لا يخلّ بتبيين المراد، وهذه الأُسس منها ما هو متسالم عليه عند الجميع، ومنها ما اختلفت فيه الآراء، فرجعنا إلى آراء المحققين من الشيعة والسنّة، وأدلينا بما ثبت عليه ________________________________ 1ـ المصدر نفسه، الخطبة 176. 2ـ سنن ابن ماجه، 1: 77، دار إحياء التراث العربي. 3ـ الأُصول من الكافي 2: 441، المكتبة الإسلاميّة.