ـ(491)ـ الأفكار؛ فنراهم قد قاوموا السنّة ومنعوا نشرها في آونة وآونة، فقد تمسّكوا لتعليل ذلك بالمدافعة عن القرآن خوفاً من مهجوريته، وقد التجؤوا إلى أنّ السنّة لمّا اختلطت بالأكاذيب فلا بدّ أن تُرفض، وقد احتجوا لعدم اعتبار السنّة بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان بشراً قد يصدر منه الخطأ وغير ذلك. وبدأت هذه الظاهرة منذ بزوغ الإسلام في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ فقد روي عن عبدالله بن عمر أنّه قال: "كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أُريد حفظه، فاتهمتني قريش، فقالوا: إنكّ تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو بشر يتكلّم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول فقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ حقّ"(1). ولهذا الحديث نظائر نجدها في طيّات تاريخ حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مع أصحابه مودعة في كتب السير والمجاميع الروائية. وهكذا نجد كثيراً من المواجهات العنيفة ضدّ السنّة المحمّدية صلّى الله عليه وآله وسلّم بحجج تّتسم بسمة تبرير السياسات والمواقف الاجتماعية حينذاك، وفي طليعتها الذبّ عن القرآن وعدم مهجوريّته، وهذه الكارثة العظيمة ترسم قصّة طويلة خصوصاً في القرون الأُولى من ظهور الإسلام، وقد أّلّفت في ذلك كتب ومجاميع تهتمّ بدراسة تطور الحديث في ذلك الوقت (2)، مضافاً إلى ما رووه عن النبيّ في النهي عن كتابة الحديث التي لا تلائم ما رووه في نقل الحديث وكتابته، كما لا تلائم سيرة كبار المحدّثين الذين كتبوا نفس هذه الأحاديث أيضاً، فعلى الباحث أن يقارن بين الأحاديث الواردة في كتابة الحديث ونقله نفياً وإثباتاً، ثمّ يجعلها في بوتقة التدبّر والتحقيق - مع ملاحظة الظروف السائدة حينذاك - فيستخرج _______________________________________ 1 ـ المدخل للفقه الإسلامي نقلاً عن سنن أبي داود. 2 ـ راجع كتاب أضواء على السنّة المحمّدية، محمود أبو رية.