ـ(485)ـ المسلمين، قد لا تنسى عواقبها ولا نريد إزعاج القارئين بتحديد ذكرها، ولم تقع تلك الأحداث إلاّ عند سيادة العصبيّات العمياء وعدم التدبر في رؤية الشريعة السهلة السمحاء، فظهر صوت ينادي: للعلماء الذين بذلوا جهودهم العلمية في استكشاف الحقائق أجران وللمخطئ منهم أجر واحد، أي أنّ المخطئ ليس بآثم، مع أنّ المبتدع مرتكب لجريمة عظيمة والشريعة أمرتنا باتخاذ موقف حازم تجاهه ومواجهته بوجه مكفهرّ، وتوعّد بالعذاب الأليم في الآخرة. إنّ مبدأ تحريم البدعة ورفضها مبدأ يرسّخ أعمدة الإسلام ويمنع عن التفرّق والتشعّب ويأمر بأخذ العروة الوثقى والالتفاف حولها، فهي ضدّ كلّ تفرقة وتشتّت، بينما الرؤية الجافة - التي لا تتحمّل الاجتهادات والاستنباطات المختلفة ولا يمكن لأيّ مجتمع الانضواء تحتها - توجب الخلاف الدائم والبغضاء والشحناء والحروب الدامية بين المسلمين وتمزيق بعضهم بعضاً. فعلينا أن نميّز بين من أدّى اجتهاده إلى حكم - سواء كان مجتهداً أو مذهباً إسلامياً خاصاً - وبين من يكون عنده الدافع السيّئ ويتّبع هواه ويريد تشويه وجه الإسلام المقدّس، ونحن نؤيّد الطائفة الأُولى ونكرّمها ونعظمها طائفة إسلامية لا تريد إلاّ الصلاح والسداد، ثمّ نقيم مع ذوي الفكرة منهم حوارات علمية إسلامية خارجة عن كلّ عصبية عمياء، حتّى نصل إلى الواقع، لتتحدد صفوفنا ومواقفنا العلمية ببركة البحث، المناظرة ونقتطف ثمارها اليانعة. ويا للخسائر الناتجة عن النزاع في خلق القرآن وحدوثه أو قدمه في القرن الأول من الهجرة، فبدلاً من التطور العلمي الذي ينتظر من تضارب الأفكار احتلّ تضارب الأبدان مكانه، وكذا الخلافات بين أهل الحديث وأهل الرأي وبين الأشاعرة والمعتزلة و... فنرى أنّ بعض الأفكار الجافة تتهم أصحاب المذاهب الأربعة، بل الخمسة بالشرك