ـ(40)ـ وهذا حسبما ورد من الأمر بالتدبّر والتعمق في القرآن والبحث والنظر في فهم معانيه: ?كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ?(1). ?أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا?(2). وقد كان بعض السلف يتحرجون من القول في القرآن بغير أثر صحيح، ويجتنبون النظر فيه، خشية أن يكونوا قد أقحموا في القول في القرآن برأيهم، وقد جاء النهي عن تفسيره بالرأي: "من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار"(3). فعن عبيدالله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وأنّهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبدالله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع. وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئاً، وكان لا يتكلم إلاّ في المعلوم من القرآن. وعن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسّداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن(4). لكن على الرغم من ذلك فقد تصدّى علماء الصحابة ونبهاء التابعين للتفسير، واجتهدوا فيه واعملوا النظر والرأي فيه، لكن على الطريقة المستقيمة التي كان يقبلها الشرع والعقل، وهي الطريقة التي مشى عليها العقلاء في تفهمهم للكلام، أيّاً كان، سواء كان وحياً من السماء أو كلام إنسان منثوراً أو منظوماً. الأمر الذي لا يعنيه حديث النهي عن التفسير بالرأي، إنّما يعني التفسير بالرأي ________________________________ 1ـ سورة ص: 29. 2ـ سورة محمد: 24. 3ـ حديث مستفيض. راجع: الأمالي، المجلس الثاني: 6، الصدوق، ط. النجف، والطبري 1: 27. 4ـ تفسير الطبري 1: 29. ومقدمة كتاب المباني في نظم المعاني: 183، 184.