ـ(377)ـ نخفّف من التجاذب الذي قد يكون عند بعض الناس، وإنّما هي كتب جمعت الصحيح الكثير والضعيف القليل، حيث إنّ أصحابها لم يلتزموا الصحيح فيها التزام البخاريّ ومسلم في كتابيهما، وأحاديثها تساند وتستند إلى ما في البخاري ومسلم وكتب الحديث المعتمدة الأُخرى، كما أنّ فيها مساندة بعضها بعضاً، الأمر الذي سهّل على المؤلفين الذين جاؤوا من بعدهم فجمعوا بينها، وأفردوا زوائدها وزوائد الكتب الأخرى بما يبعث الاطمئنان في نفوس كلّ من تتبّعها علماء كانوا أو متعبّدين. علماً بأنّ كتب السنن - عندنا - كثيرة، إلاّ أنّ كلامنا سينصبّ على السنن الأربعة: "أبي داود، الترمذي، النسائي، وابن ماجه". وأصحاب هذه السنن الأربعة، وإن لم يدّعوا أنها صحاح فقد بذلوا في سبيل تقديمها أبلغ ما عندهم من الجهد الكبير، والعلم الغزير، والمعرفة المستمدّة من الممّارسة الصادقة، وجعلوا تقوى الله نصب أعينهم في كلّ كلمة ضمّنوها كتبهم، وأحاديث سننهم... ولو أرادوا الادّعاء بصحتها لما استطاع أحد ردّ دعواهم بسهولة، لأنّ في كتبهم ما يجعلها صحاحاً على التغليب - كما هو الغالب على كلام الناس - لكثرة ما فيها من الصحيح، وسوف نرى النسبة الكبيرة من الصحيح فيها عند الكلام على كلّ كتاب منها. ولكن منعهم من ذلك أمورٌ هم أعرف بها، ولكنّنا نلمس منها أوّل ما نلمس تقوى الله وخشيته سبحانه، والتهيّب من أنّ يكون أحدهم قد أخطأ بكلمة في حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يعلم قوله: "من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار"(1). أو خوفاً من أنّ يكون ممّن لم يبلّغ ما سمعه من كلام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كما سمعه ووعاه، وقد رغب الرسول عليه الصلاة والسلام بنقل الحديث عنه بدقّة وأمانة وبألفاظه الشريفة _______________________________________ 1 - صحيح الجامع الصغير: 6519 - بترتيبي.