ـ(218)ـ لكنّ كلا منهما منفصلة عن الأخرى في الخط والمنهج والمعطيات، ولو إنهما تعاونتا وتعاضدتا لعمهما رخاء فكري كبير وازدهار علمي ليس بعده ازدهار، فكما أثريت المدرسة الإماميّة من خلال حلبة البحث الفكري المطّرد والمتوثب طيلة القرنين الماضيين، فإن الفكر الأصولي الإسلامي العام يمكنه أن يزدهر أكثر إذا ما تلاقحت أفكار المدرستين مع بعضهما، فاستعانت المدرسة السنية بما تختزنه المدرسة الإماميّة من معطيات ومناهج ونظريات، وسلكت المدرسة الإماميّة الاتجاه نفسه وتلاقحت خزائن القرون المتطاولة لكلتا المدرستين مع بعضها. وكمثال على ذلك نجد أن المدرستين تناولتا موضوع السنّة الشريفة بالدراسة والتحليل العلمي بدرجات وإشكال ومناهج مختلفة، وكانت النتائج متفاوتة أيضاً، ولو انا توفرنا على دراسة هذا الموضوع الحيوي والمهم من التشريع الإسلامي بشكل مقارن لخرجنا بنتائج تغني المدرستين معاً، وتسهم في ترشيد الحركة الأصولية الإسلاميّة بصورة عامة وبالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق الغرض المطلوب من علم الأُصول. مكانة السنّة لدى المسلمين: تحتل السنّة مكانة خاصة لدى المسلمين، وهي تأتي بالمرتبة الثانية بعد القرآن الكريم، وقد أجمع المسلمون على هذا إلاّ من شذ وندر من الخوارج وأيدهم في ذلك الزنادقة (1). والأهمية التشريعية للسنّة تتمثل في كونها المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، ولولاها لأصبح هذا التشريع مجملاً لا يشتمل إلاّ على الروح والأصول التشريعية العامة مع عددٍ غير كافٍ من الأحكام التفريعية. ________________________________ 1ـ أُصول الفقه الإسلامي 1: 450، د. وهبة الزحيلي.