ـ(184)ـ أ- الخبر المتواتر: عرف الخبر المتواتر بأنه ذلك الخبر الذي بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم- أي اتفاقهم- على الكذب، واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعود، بأن يرويه قوم عن قوم وهكذا إلى الأول، فيكون أوله في هذا الوصف كآخره، ووسطه كطرفيه، ولا ينحصر ذلك في عدد خاص(1). وأن الخبر المتواتر على الرغم من كثرة تعريفاته- المختلفة لفظاً المتحدة معنىً- هو ممّا يوجب علماً بصدور مضمونه(2)، فهو قطعي الصدور عن الرسول صلى الله عليه وآله لأنّ تواتر النقل بالشروط التي تتضح من التعريف وأمانة رواته واختلاف وجهاتهم وبيئاتهم وكثرتهم، ممّا يفيد الجزم والقطع بصحة الخبر، والخبر متى ما ولّد العلم والقطع بالسنة عندما يتضمن حكايتها يكون حجّة شرعية ودليلاً قاطعاً على الحكم ومصدراً لـه مادامت السنّة نفسه كذلك(3). ومن أمثلة الأخبار المتواترة في تفسير القرآن الكريم ما نقل إلينا في تفسير قولـه تعالى: ?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?(4)، بأن المراد منهم هم النبي محمّد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، حيث بلغت طرق الروايات- المفسرة لآية التطهير- بالتنصيص على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم الصلاة والسلام حدّاً قد لا تصل مداه طرق الروايات المتواترة الأخرى، إلاّ إذا استثنينا حديث الغدير، والمنزلة، والدار، والثقلين، ومن كَذَّب عَلَيّ. ومن أمثلتها أيضاً أكثر السنن العملية الواصلة إلينا في مجال تطبيق أوامر الله ونواهيه في آيات الأحكام مثل أداء الصلاة، والحج، والصوم، وإيتاء الزكاة، وإقامة الأمر ________________________________ 1ـ الدراية: 12، الشهيد الثاني. 2ـ الأُصول العامة للفقه المقارن: 194، محمد تقي الحكيم. 3ـ مفتاح الوصول إلى علم الأُصول: 63، البهادلي. 4ـ سورة الأحزاب: 33.