ـ(145)ـ "إنّ قوماً من منتحلي الإسلام في أثر توغّلهم في العلوم الطبيعية- وما يشابهها- المبنية على الحسّ والتجربة والعلوم الاجتماعية المبتنية على تجربة الإحصاء، مالوا إلى مذهب الحسّيين من فلاسفة الأوربية سابقاً، أو إلى مذهب أصالة العمل القائل بأنّه لا قيمة للإدراكات إلاّ ترتّب العمل عليها بمقدار تعيّنه الحاجة الحيوية بحكم الجبر. فذكروا أنّ المعارف الدينية لا يمكن أن تخالف الطريق الذي تصدّقه العلوم، وهو أن لا أصالة في الوجود إلاّ للمادة وخواصّها المحسوسة، فما كان من الدين يخبر عن وجوده ممّا يكذب العلوم ظاهره كالعرش والكرسي واللوح والقلم يجب أن يؤوّل تأويلاً، وما يخبر عن وجوده ممّا لا تتعرّض العلوم لذلك كحقائق المعاد يجب أن يوجّه بالقوانين المادّية، وما يتّكئ عليه التشريع من الوحي والملك والشيطان والنبوّة والرسالة والإمامة وغير ذلك إنّما هي أُمور روحية، والروح مادّية ونوع من الخواصّ المادية، والتشريع نبوغ خاصّ اجتماعي يبني قوانينه على الأفكار الصالحة لغاية إيجاد الاجتماع الصالح الراقي. هذه جمل ما ذكروه أو يستلزمه ما ذكروه من اتّباع طريق الحسّ والتجربة فساقهم ذلك إلى هذا الطريق من التفسير، ولا كلام لنا ها هنا في أُصولهم العلمية والفلسفية التي اتّخذوها أُصولاً وبنوا عليها ما بنوا. وإنّما الكلام في أنّ ما أوردوه على مسالك السلف من المفسّرين، وهو أنّ ذلك تطبيق وليس بتفسير وارد بعينه على طريقتهم في التفسير، ولو كانوا لم يحملوا على القرآن في تحصيل معاني آياته شيئاً فما بالهم يأخذون الأنظار العلمية مسلّمة لا يجوز التعدّي عنها"(1). هذه دراسة موجزة عن الأُسس والقواعد التي يجب مراعاتها في تفسير القرآن ________________________________ 1ـ الميزان، المقدمة.