لا سيّما بعد تطور الحياة العقلية عند المسلمين وامتزاح العلوم الاُخرى كالفلسفة والكلام واللغة بالتفسير، حيث اختلط التفسير النقلي بالفهم العقلي وتجاوز التفسير حدود النقل عن السلف وبدأ ظهور التفسير بالرأي بشكله الواضح(1)، إلا انه يمكن القول: إنّ بعض التفاسير المتأخرة نسبياً عن مراحل التفسير السابقة استطاعت أن تحافظ على ديمومة الروح الإثرية في تفسيرها وبقائها إلى جانب ما ضمته من نزعة عقلية أو لغوية وكان بالإمكان تصنيفها تحت التفاسير التي يغلب عليها جانب الأثر، ومن امثلتها تفسير التبيان للشيخ الطوسي (ت: 460هـ). ويتضح مما سبق القرآن الكريم انّما كان في بداياته الأولى تبياناً وتوضيحاً من قبل الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم تطور إلى روايات الصحابة عن النبي، مع صحائف بعضهم التي كتبت على عهد النبي الكريم ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ثم تصدى فيما بعد بعض التابعين إلى جمع تلك الروايات بكتب مستقلة عرفت باسم التفسير وان كانت جهود جل علماء هذا العهد منصبة على جمعها وتدوينها، وقد استقلت تلك الروايات بكتب خاصة في عهد تابعي التابعين إلا أنها لم تستوعب القرآن الكريم تفسيراً إلاّ في نهايات القرن الثالث الهجري الذي ظهرت فيه المدونات الكبرى في التفسير.