بتعبد من الشارع لأن للاستصحاب نظراً إلى الواقع، ويختلف الاستصحاب بذلك عن سائر الأصول العملية، التي لها صفة وظيفية محضة، وليس لها نظر إلى الواقع، وعليه فإن الاستصحاب بتعبد من الشارع يرفع حالة الجهل فيكون حاكما على البراءة الشرعية بالتوضيح المتقدم. الأصول التنزيلية: ومن هنا انفتح على هذه المدرسة باب جديد من العلم في التمييز بين نوعين من الأصول العملية(التنزيلية منها وغير التنزيلية). فقد وجدوا أن مهمة طائفة من الأصول العملية كالاستصحاب هي تنزيل أحد طرفي الشك منزلة الواقع في البناء العملي، بينما وجدوا أن مهمة طائفة أخرى من الأصول العملية تحديد الوظيفة العملية للمكلف في ظرف الشك بمقتضى ما يؤدي إليه الأصل دون النظر إلى الواقع وتنزيل المؤدى منزلة الواقع. وسموا الطائفة الأولى بالأصول التنزيلية والطائفة الثانية بالأصول غير التنزيلية، وقالوا بحكومة الأصول التنزيلية على غير التنزيلية، لأن مهمة الأصول التنزيلية هي تنزيل مؤدى الأصل منزلة الواقع في مقام العمل. وبهذا التنزيل العملي يرتفع الشك والجهل بالحكم الشرعي ويرتفع بذلك موضوع الأصول غير التنزيلية بالتفصيل الذي تحدثنا عنه تعبداً، وبذلك تكون الأصول التنزيلية حاكمة على الأصول غير التنزلية مقدمة عليها، ولا يكون بينهما تعارض لتقدم الأول على الثاني إلاّ ما يبدو لأول وهلة بينهما من(التعارض البدوي) الذي يزول بعد النظر والتأمل.