ولا خلاف بين الأمة الإسلاميّة في اختصاص العبادة بالله سبحانه، فهذه قاعدة دينية لا ينكرها أحد منهم، ومع ذلك فربما ينسب بعضهم بعضاً إلى الشرك في العبادة فيما يفعلونه في تعظيم قبور الأولياء والصالحين والتوسل بهم ونحو ذلك، بتوهم أن هذه الأفعال عبادة، وعبادة غيره سبحانه شرك. فاللازم علينا قبل كلّ شيء تحديد حقيقة العبادة وتفسيرها حتّى يصح لنا قضاء حق في هذا المجال، فنقول: المشهور في تعريف العبادة أنها مطلق الخضوع والتذلل في مقابل الغير، اونهايته. ويرد عليه: أولاً: لو كانت العبادة مرادفة في المعنى للخضوع والتذلل، لما أمكننا أن تعتبر أي إنسان موحداً لله، لأن البشر ـ بفطرته ـ يخضع لمن يرى لـه تفوقا وجمالاً أو كرامة ونعمة، كالتلميذ يخضع لأستاذه، والولد لوالديه والمحب لحبيبه. وثانياً: إنّ القرآن الكريم يأمر الإنسان بأن يتذلل لوالديه ويقول: ?واخفض لهما جناح الذل من الرحمة...?(1). وثالثاً: إنّ الله تعالى أمر ملائكته بالسجود الذي يعد غاية الخضوع لآدم. ورابعاً: إنّ يعقوب مع زوجته وولده سجدوا ليوسف: ?...وخروا له سجداً...?(2). وعلى هذا فالعبادة المختصة بالله تعالى ليست بمعنى الخضوع والتذلل قولاً أو فعلاً فقط، بل لها ركن آخر، وهو الخضوع لمن يعتقد بألوهيته أو بعض شؤونها كالربوبية ونحوها. فهذا هو العبادة التي تنحصر في الله سبحانه والاتيان بها لغيره شرك، ويتضح هذا بالتدبر في الآيات الداعية إلى عبادة الله سبحانه والناهية عن عبادة غيره، إذ لجميع يعلل