العقائدية التي نشأ البحث والجدال فيها بين المسلمين في أواسط القرن الأول الهجري واستمرت إلى يومنا هذا؛ فما وقع النزاع فيه آنذاك هو أن ارتكاب الذنوب ـ خصوصاً الكبيرة منها ـ هل يؤدي إلى الشرك أو لا؟ فمن قائل بأن ارتكاب الذنب شرك صريح كالخوارج، ومن قائلٍ بأن الذنب يخرج فاعله من الإيمان ولكن لا يدخل في الشرك بل هو فسق وهو منزلة بين الإيمان والشرك كالمعتزلة، إلى غير ذلك من المذاهب والآراء. وما زالت الفرق تتشاجر ـ وكل منها ترمي أختها بالشرك والكفر ـ فيما يتعلق بأوصافه تعالى وأفعاله، كالبحث عن صفات الله الأزلية، هل زائدة على الذات أو لا؟ فطائفة قالت بالعينية، ورمت القائل بالزيادة إلى الشرك، وطائفة قالت بالزيادة ونسبت القائل بالنفي إلى الشرك محتجةً بأن لازمه تعطيل الذات عن الصفات، وهو إنكار لما ثبت بالضرورة من الدين، إلى غير ذلك من المسائل، كمسألة خلق الأفعال، والجبر والتفويض، والرؤية ونحوها. وفي القرون الأخيرة حدث خلاف آخر في المسألة بظهور الوهابية، فانهم قد فسروا الشرك في العبادة بما يستوعب قذف أكثرية الأمة الإسلاميّة بالشرك، ويصير التوحيد ملك مطلق لأتباع الوهابية، واستتبع ذلك حوادث مؤلمة في تاريخ الإسلام، من تخريب الآثار والأبنية، وقتل النفوس البريئة، وتشديد العداوة والبغضاء بين المسلمين. وعلى هذا فالبحث حول التوحيد والشرك من الأبحاث المهمة في مجال العقائد الإسلاميّة، وإذ كان القرآن الكريم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ هو المصدر الأول للمسلمين في معارف دينهم وأحكام شريعتهم، فيجب عرض العقائد عليه حتّى يتميز الطيب من الخبيث والصحيح من المزيف، وهذا ما نتبناه في دراستنا هذه في مسألة التوحيد والشرك، ونضع البحث عنها في فصلين وخاتمة: