الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد أيها الاخوة الاعزّاء، يقول الله عزّ وعلا قديماً ولم يزل قائلاً عليما بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) صدق الله العظيم. ايها الاخوة، إن المتأمل في هذه الآيات الكريمات لن يغيب عن بصيرته، إختصارها لحالة الواقع الإنساني في هذا العصر، كحالها في كل العصور السابقة واللاّحقة، حيث تبدأ بالقسم بالعصر من الله العلي القدير المنزه عن الحاجة للقسم ولكنه كان لتأكيد أهمية مايرد بعده، والعصر هو اللحظة الإنسانية في التاريخ الكوني وفي العمل بالقيم (انه الحضور المعاصر للحظة زمنية محددة)، وتصف الآية الثانية الإنسان الموجود في تلك اللحظة أمام الخيار بين الخسر والاستثناء منه، ثم شرطي هذا الاستثناء بالايمان الشخصي الذاتي أو الجماعي الموضوعي وذلك بالتواصي بالحق، ثم الاصلاح العملي شخصيا ذاتياً بالعمل الصالح والجماعي الموضوعي بالتواصي بالصبر. ولما كان التواصي بالحق هو عينه الاجتهاد بالعلم حسب معايير إجماعية وهو معنى المشاركة في التواصي بالحق، وكان التواصي بالصبر هو عينه الجهاد بمعنى بذل الجهد بالعمل حسب معايير اجماعية (وهو معنى المشاركة في التواصي بالصبر) أصبح من الواجب أن نبحث عن معرفة الشروط الموجبة والسالبة (الاوامر والنواهي) التي يضعها القرآن الكريم لعمل هاتين المؤسستين (الاجتهاد والجهاد) في النظر والعمل سواء كان الموضوع طبيعياً كونياً أو شرعياً تاريخياً بوصفهما الاصل الذي يستمد منه العقل المسلم خبرته النظرية وتجربته العمليّة. والقرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً فعندما نقرأ في الآية السابعة من آل عمران (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب وأخرٌ متشبهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلمُ تأويلهُ إلا الله، والراسخون في العلم يقولون ءامنـّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكَّرُ إلاّ أولُوا الالباب) ومن ذلك تكون العلّة الأساسية التي لاجلها يمكن لتحريف المعرفة الإنسانية أن يحصل، إنها محاولة تأويل المتشابه في أهم موقف نظري من مواقف الحياة والايمان، وتحدد الآية 154 من نفس السورة العلة الرئيسية التي لاجلها يمكن تحريف العمل الإنساني أن يحصل انها محاولة التعلل بالقدر في أهم موقف عملي من مواقف الحياة في مواجهة الموت خلال الجهاد من أجل القيم الروحيّة (ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحقّ ظنَّ