تقديم لقد تعمدت القفز فوق الكثيرمن الحقائق والمفاهيم التي تدور حول موضوع الحواروشواهد الدعوة إليه في الكتاب والسنة وفي ممارسات الصحابة وتاريخ التابعين، والمعنى الذي يكتسبه في الثقافة والحضارة الإسلاميتين وما يدل عليه من قيم ومبادئ هي ركن أساس في ثقافتنا وحضارتنا، لا لأن تلك الحقائق والأسس والمفاهيم ليست بذات أهمية، ولكن لأنكم جميعاً تدركونها وتعون دلالاتها وتعرفون قدرها في الشريعة الإسلامية والمكان الذي تتبوأه في الثقافة الإسلامية. فقد قيل عن ذلك الكثير وكتب ماهو أكثر… وحسبنا في هذا التقديم التأكيد على أن الحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساساً إلى مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه السمحاء، وهو موقف فكري وتعبير عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية. سمة التسامح لا بمعنى التخاذل والضعف بوازع من الهزيمة النفسية ولكن بمعنى الترفع عن الصغائر والتسامي على الضغائن والتجافى عن الهوى والباطل. ولا أراني أيضاً بحاجة إلى التذكير بأهمية الحوار على كل المستويات في التفاهم البشري وحل مشكلات الإنسانية ونشدان الحق والخير والعدل والتسامح والحيلولة دون الفساد في الأرض، وكيف أكون في حاجة إلى ذلك والله سبحانه وتعالى وهو الحق العليم حاور دعاة الخير ودعاة الشر على حد سواء واستمع إليهم، وحاور الأنبياء والرسل والملائكة والشياطين، واستمع إلى إبليس وهو يشق عصا الطاعة عليه وأعطاه الفرصة لإعلان موقفه، وكفى بذلك مثلاً على أهمية الحوار.. واحترام رأي المحاور. ورغم أن الحوار كمصطلح ومفهوم وممارسة يصل عمره في الإسلام إلى أربعة عشر قرناً، إلا أنه مفهوم جديد في الفكر الغربي السياسي والثقافي، ولعل ما يدلل على ذلك هو خلو جميع المواثيق والعهود الدولية التي صدرت بعد إنشاء الأمم المتحدة من الإشارة إلى «الحوار» حتى كلفظ وهو ما يعنى أنه ليس مصطلحاً قانونياً، لكنه مصطلح أو مفهوم سياسي ثقافي حضاري جديد التداول نسبياً في قاموس السياسة الدولية الذي خص حيزاً مناسباً لمصطلحات أخرى مثل: «التسامح والتعاون والتعايش وإنماء العلاقات الودية بين الأمم وتحقيق التعاون الدولي،