وفي نهاية هذا العرض الموجز لبعض الأحوال القائمة والمتفاوتة إلى حد كبير في العالمين الصناعي والنامي، لابد أن تكون لنا رجعة للتصدي للتحديات وبيان طريق مواجهاتها. أما التحديات الأولى فهي هدم الإسلام، ومناقضة الشريعة، وطمس حقائق الإيمان، وإطفاء سرجه، (يُريدُون ليُطفؤوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نُوره ولو كره الكافرون) ( ). وهكذا انتشرت ألوان من الغوايةوالضلالة، وصدوف عن القيم والمبادئ الإسلامية، وإعراض عن الذكر، وتمسك بما لا يرضي الله من عادات غير عادتنا وأفكار مستوردة غير الأفكار التي غرسها الهدي الإسلامي فينا، وتعطل كما ذكر حجة الإسلام الإمام الغزالي القطبُ الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله به النبيين أجمعين، فلو طوى بساطه لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد. وكان الذي خفنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إذ قد اندرس من قطب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملُه وعلمُه، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق، وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم. فمن سعى في تلافي هذه الفترة وسدّ هذه الفتحة إما متكفلاً بعملها، أو متقلداً لتنفيذها، مجدداً لهذه السُنة الداثرة، ناهضاً بأعبائها ومتشمراً في إحيائها، كان مستأثراً من بين الخلق بإحياء سُنة أفضى الزمان إلى إمامتها، ومستبدا بقرُبة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها( ). ومن أخذ بهذا المسلك أوفى بحق الله عليه وهو الأمانة. قال تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنَّه كان ظلوماً جهولاً) ( ). والأمانة هي كما ورد في البحر المحيط: كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا. والذي ينشئ النفس ويزكيها ويمدها بما هي في حاجة إليه من إيمان وتقوى وعلم يقدرها على محادة الكفار والمنحرفين، هو كتاب الله والتأدب به والاستمداد منه في كل الأحوال العقيدة والتشريعية والسلوكية. وهذه المواجهة لا تكون إلا بدين وعلم ومعرفة الأحكام. والدين وحي من الله وهو خطابه لعباده جاء بالشريعة الصادقة التي تدعو إلى العدل والرحمة وإًلى إشاعة الحرية والتسوية بين الناس. ومقصد الشريعة من التشريع، كما فصّله الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور،