خامساً: أن مؤسسات الوحدة والتضامن العربية والإسلامية لم تثبت وجودها للأسباب السابقة، وعجزت أو تمنع الدول الأعضاء عن الوفاء بالالتزامات المقررة، أو التقيد بالقرارات التي تشارك في وضعها، والأرجح أن يحاول مد العولمة اكتساحها حتى لا يبقي مجالا للمقاومة. الواقع – إذن – أن المقاطعة أمر مستحيل، ولا يبقى إلا الحل الآخر وهو أسلوب «التخير» وقبول الجوانب الحسنة ورفض المساوئ ولا يتأتى ذلك – بطبيعة الحال – إلا بسياسة مستقلة، وقدرات مادية ومعنوية تحمي ذلك الاستقلال، وهنا يبدو واضحا أنه لا غنى عن توحيد مواقف الدول العربية والإسلامية، وتقنية مواردها وطاقاتها في خطط موحدة، وبعث الحياة في مؤسسات التنسيق والتعاون العربية والإسلامية، وفي طليعتها منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، كما لابد من تنفيذ قرارات كثيرة علاها الغبار حول السوق المشتركة، وإعادة النظر في الرسوم الجمركية، وحرية انتقال البضائع والأيدي العاملة، والمشاريع المشتركة في ميادين الإعلام، أي باختصار أن تعمل طواعية بين دولنا، ما يطلبه منا قصراً أسياد «العولمة» ودعاتها. هذا عن الظروف الواقعية التي تضع المسلمين أمام العولمة، فماذا عن موقف الإسلام نفسه؟ لكي يستطيع المسلم أن يحدد دوره إزاء «العولمة» والنظام العالمي الجديد، لابد أن يعرف أولا موقف الإسلام كعقيدة من هذه التبدلات فمن المفروض أن الإنسان المسلم يبني مواقفه كلها على أساس الفهم الصحيح للإسلام والالتزام بتعاليمه ومبادئه، وأول آثار الالتزام أنه يمنح صاحبه مقياساً ثابتاً يزن به الأمور ويحدد الجوانب التي تتفق مع نظرة الإسلام الكلية للحياة والناس، كما يحدد المصلحة الإسلامية أيضاً، وفي قضية شديدة التعقيد، كثيرة المداخل والشبهات كـ «العولمة» تزداد الحاجة لهذا الميزان العقائدي الثابت، ولو كانت ظاهرة «العولمة» الراهنة تتفق مع باطنها، وشعاراتها مع حقيقتها، فيجب أن تلقى من المسلمين تأييداً غير محدود. إن الإسلام يتجه – بطبيعته – نحو العالمية، وينظر للكون والجنس الإنساني الذي يسكنه ككيان واحد وأسرة واحدة، ويذكر في هذا السياق التذكير القرآني الكثير بالأب الأول، والأم الأولى، وما في ذلك من تطابق الصفات، ووحدة المصير، ورفض التمايز بسبب العصبية أو اللون أو اللغة، وقد جاء في الحديث الشريف «الناس لآدم وآدم من تراب» وحدد الإسلام ميزاناً وحيداً للتفاضل بين بني البشر، هو ميزان التقوى، وما تنطوي عليه هذه الكلمة الجامعة المانعة من استحضار مخافة الله في كل أمر، والحدب على عباده، والحرص على أعمار الكون، وإشاعة الخير والصلاح بين ربوعه »أن أكرمكم عند الله اتقاكم».