[ 23 ] هذا بالاضافة إلى صحة سند ما روي عن عمر، وكثرة الناقلين له، وعدم نقل ذلك عن سلمان إلا عند ابن سعد في طبقاته. وإذا كان الراجح - إن لم يكن هو المتعين - أن سلمان لم يتدخل في هذا الامر، ولا خالف النهي المتوجه إليه من قبل رسول الله (ص). وإذا كان النهي إنما توجه إلى سلمان، لا إلى عمر، فإن إقدام عمر على هذا الامر، يصبح اكثر معقولية، وأقرب إحتمالا. فهو قد أراد أن يجرب حظه في هذا الامر ايضا، ولعله يريد إظهار زمالته للرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو القائل (أنا زميل محمد) (1)، فكما أن النخل يثمر على يد رسول الله (ص)، فانه يثمر على يده أيضا وكما أن الرسول يقوم ببعض الاعمال، فإن غيره ايضا، قادر على أن يقوم بهما، فليس ثمة فرق كبير - فيما بينهم وبينه (ص)، على حد زعمه، أو هكذا خيل له على الاقل. وأما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ينهى سلمان عن أن يغرس شيئا منها، فإنه قد تردد في ذلك، وحاذر من أن يتعرض لغضب النبي (ص)، وإنكاره ثم تشجع اخيرا، وجرب حظه في نخلة واحدة، الامر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الاخرين، ولم يقدم عليه لا أبو بكر، ولا غيره. وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة. ولكن شاءت الارادة الالهية: أن يحفظ ناموس النبوة، وأن تخيب كل الطموحات، وتتحطم كل الامال، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس، أو تستفيد منه في مسار إنحرافي آخر، لا يلتقي معه، ولا ينتهي إليه، وتجلى هذا اللطف الالهي في أن النخل قد أثمر كله، سوى هذه، ________________________________________ (1) راجع: تاريخ الامم والملوك للطبري ج 3 ص 291 طبع الاستقامة. (*) ________________________________________