[ 28 ] القضاء على هذا الدين من قبل قومه القرشيين، ومن معهم من ذؤبان العرب، دون أن يكلفهم ذلك أية خسائر، خصوصا في الارواح، فرضوا بالمعاهدة التي سلف ذكرها. ولكن فألهم قد خاب، فها هو الاسلام يزداد قوة، واتساعا ونفوذا، يوما عن يوم. وها هو يسجل في بدر العظمى أروع البطولات، وأعظم الانتصارات، فلم يعد يقر لهم قرار، أو يطيب لهم عيش، إذ كان لابد - بنظرهم - من القضاء على هذا الدين قبل أن يعظم خطره ويكتسح المنطقة، ويضرى بهم اعصاره الهادر. 3 - وزاد في حنقهم وقلقهم: أنهم رأوا النبي (ص) والمسلمين معه، كما أنهم لا يخدعون، ولا يؤخذون بالمكر والحيلة، كذلك هم لا يستسلمون للضغوط، ولا تثنيهم المصاعب والمشقات مهما عظمت. وكلما زاد الاسلام اتساعا كلما زاد الطموح لدى المسلمين، والضعف لدى خصومهم، اذن، فلابد من اهتبال الفرصة، ومناهضة هذا الدين، والقضاء عليه بالسرعة الممكنة. 4 - ويقول الجاحظ: (ان اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها، وعدوان الجيران شبيهة بعداوة الاقارب، في شدة التمكن وثبات الحقد، وانما يعادي الانسان من يعرف، ويميل على من يرى، ويناقض من يشاكل، ويبدو له عيوب من يخالط، وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الاعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوتهم أشد. فلما صار المهاجرون لليهود جيرانا، وقد كانت الانصار متقدمة الجوار، مشاركة في الدار، حسدتهم اليهود على نعمة الدين، والاجتماع بعد الافتراق، والتواصل بعد التقاطع.. الخ) (1). ________________________________________ (1) ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص 13 / 14 نشر يوشع فنكل سنة 1382 ه‍. (*) ________________________________________