[ 20 ] أي أنهم كانوا يجحدون بما جاءهم به، إما زعما منهم: أن في ذلك حناظا على مصالحهم الشخصية ومستقبلهم، وإما تقليدا أعمى للضالين من آبائهم واجدادهم، وإما حفاظا على امتيازاتهم، أو حسدا، أو غير ذلك. وإن ابقاء علي " عليه السلام " في مكة ليؤدي للناس أماناتهم وودائعهم، في ظروف حساسة، وخطيرة جدا كهذه الظروف، لهو من أروع الامثلة للانسان الكامل، الذي يلتزم بمبادئه، ويحترم قناعاته، ولا يحيد عما رسمه الله له قيد شعرة، ولا يبحث عن المعذرات والفرص، وإنما هو يعيش من أجل مبادئه العليا، وتحقيق أهدافها. ولا يعتبر المبدأ وسيلة لتحقيق مآربه وأهدافه. نعم لقد كان " صلى الله عليه وآله وسلم " امينا عندهم، وسموه ب " الامين ". وكان ذلك من ابرز صفاته الشخصية حتى قبل نبوته. وها هو يؤدي إليهم أماناتهم، مع أنهم يريدون نفسه ودمه، ومحو كل آثاره من الوجود، وتشويه كل ما يرتبط به. ولكن ذلك لا يحول بينه وبين أن يهتم بامانات الناس، برهم وفاجرهم. وقد كان له كل العذر لو أنه لم يردها عليهم. وبالمناسبة فإننا نعطي بعض المحققين الحق في أن يتعجب أو يستغرب، كيف لا يرئ أحاديث عامة أهل السنة تهتم بهذه الصفة العظيمة، صفة الامانة التي هي أساس إنسانية الانسان. ولكن لا عجب من ذلك ولا غرابة فيه، فإن أحاديث " الحكمة " قد محيت أيضا وذهبت منذ توفي " صلى الله عليه وآله وسلم " بعناية وتعمد تام من قبل الخلفاء الحكام، وإلا فأين هذا الامر الذي يخبر الله في أكثر من سبع آيات: أنه كان من جملة مهمات ووظائف النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " في أيام رسالته: (يعلمهم الكتاب والحكمة). فقد عرفنا: أنه " صلى الله عليه وآله وسلم " قد علم الناس الكتاب، وقد بقي هذا ________________________________________