[ 19 ] إرادة الله: لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الغار، وإلى مبيت علي " عليه السلام " على فراشه، وذلك عن طريق آيات باهرة، وعنايات ومعجزات قاهرة. ولكن لا، فقد شاءت العناية الالهية أن تسير الامور على سجيتها، وعلى وفق أسبابها الطبيعية، مع تسديدات وعنايات تشمل الامور الخارجة عن حدود الطاقة، وليكون ذلك مثلا لنا جميعا ودرسا مؤثرا، في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأئ منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها، فاستحق اللطف الالهي، وتحقق مصداق قوله تعالن: (لينصرن الله من ينصره). و (إن تنصروا الله ينصركم). بين النظرة المصلحية، والواقع: ولقد وقع المشركون في تناقض عجيب،، فهم في نفس الوقت الذئي يصرون فيه على تكذيب النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، والافتراء عليه، حتى إنهم كانوا يقولون عنه: إنه مجنون. ساحر. شاعر. كاهن، الخ. نراهم يأتمنونه على أموالهم وودائعهم إلى الحد الذي يحتاج معه إلى أن يترك ابن عمه ينادقي في الناس ثلاثة أيام، ليأتوا إليه ويأخذوا ودائعهم، وهل يؤمن المجنون، والكذ اب، والكاهن، والعدو ؟ !. فإن ذلك إن دل على شئ فإنما يدل على أن عدم إيمان المشركين بما يدعوهم إليه ليس إلا استكبارا وعنادا، لا عن قناعة بعدم صحة ما جاءهم به، وقد قال تعالى: أو جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (1). ________________________________________ (1) النمل / 14. (*) ________________________________________