[ 165 ] حويجاجتك كلها يا أعرابي ؟ فقال نعم، وبقيت حاجتى العظمى. فقال له الرشيد. ارفعها تقض فقال أقبل رأسك يا أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: هذا لا سبيل إليه. فقال الاعرابي: أتمنعني حقا هو لى، وتدفعني عما بذلت لى أمير المؤمنين ! فقال الرشيد ؟ هذا الامر لا يكون يا أعرابي، ولا سبيل إلى مثل هذا. فقال الاعرابي: لابد من أن أصل إلى حقى، إلا أن أغصبه: فقال له الرشيد: يا أعرابي أشترى منك هذا الحق الذي وجب لك: فقال له الاعرابي: هذا الحق مما لا يشترى، وهل في الارض من المال ما يكون ثمنا لهذا أو عوضا منه ؟ لا والذي نفسي بيده ما في الدنيا صفراء ولا بيضاء يشترى بها هذا. فقال الرشيد: تبيعه ببعض ما تراه من الثمن، فإنه لا يكون ولا يتوصل إليه. فقال له الاعرابي: فإذا قد أبيت فأعطني مما أعطاك الله، فأمر له بمئة ألف دينار، فأتى بها إليه. فقال الاعرابي: ما هذه ؟ فقيل له: هذه مئة ألف دينار تأخذها. فقال الاعرابي: هي للغرماء علي: وهم أولى بها مني، فضحك الرشيد، ثم أمر له بمئة ألف أخرى. فقال: ما هذه ؟ فقيل له: مئة ألف ثانية، والاولى للغرماء، وهذه لك. فقال الاعرابي: هذه لضعفاء أهلى، يصلهم بها أمير المؤمنين، فبم أوسع على نفسي ؟ فأمر له الرشيد بمئة ألف ثالثة. فقيل له: هذه مئة ألف ثالثة، توسع بها على نفسك في معيشتك، أرضيت يا أعرابي ؟ فقال: نعم رضيت، فرضى الله عنك يا أمير المؤمنين، وابنى فضالة يقرأ السلام عليك، ويسألك مئة ألف، يستعين بها في نكاحه، ويتزين بها في دنياه، وإنه قد جمع القرآن وعرف شرائعه وأحكامه، وعلم ناسخه ومنسوخه، وتفنن في ضروب من العلم، وأحكم أنواع الادب، وقد جمع الدواوين والكتب، وتبحر في فهم الحديث والاثر، قد أخذ من من كل علم أهذبه ومن كل ضرب أمحضه إلى لب لبيب، وعقل رصين، وعلم ثابت، ونظر عجيب، وفضل ودين، يصوم النهار كله، ويقوم الليل أكثره، وقد صار في كثير من الاهل والعيال، وعدد من البنين والصبيان. فقال الرشيد: أو لست تذكر يا أعرابي أنه يريد الاستعانة على النكاح، والتوسع في المعاش، ثم أراك تصفه بكثرة العيال، وعدد البنين والصبيان ؟ فقال الاعرابي: يا أمير المؤمنين إنه ذو ثلاث نسوة من حرائر النساء، وتسعة من سرائر الاماء، وهو ذو خمسة من الولد من كل حرة، وذو سبع بنات من كل أمة، ويبتغى نكاح الرابعة الحرة، استتماما لما أمر الله به في التنزيل المحكم، وأباح في كتابه الناطق، بكلامه الصادق. فقال الرشيد: يا أعرابي لقد سألت كيثرا، فهلا سألت مئة ألف درهم فتعطاها. قال الاعرابي: فأعطه يا أمير المؤمنين تسعين ألف دينار، واحطط عنك عشرة آلاف دينار. فقال الرشيد: والله لقد سألت كثير، وتحططت قليلا. قال الاعرابي: إنما سألتك يا أمير المؤمنين على قدرك، وحططت على قدري، فاختر ما شئت. فقال الرشيد: يا أعرابي إنما تريد مغالبتي، لا غلبتني اليوم، فأمر له بمئة ألف دينار ذهبا. ________________________________________