[ 177 ] قال عبد الله بن جعفر: جاء كتاب عثمان بن محمد بعد هدأة من الليل، وقد كنت انصرفت من عند يزيد، فلم ألبث أن جاءني رسوله، فدخلت عليه، والشمعة بين يديه، وهو مغضب قد حسر عن ذراعيه، والكتاب بين يديه، فقال: دونك يا أبا جعفر هذا الكتاب، فاقرأه، فرأيت كتابا قبيحا، فيه تعريض بأهل المدينة وتحريش. ثم قال: والله لاطأنهم وطأة آتى منها على أنفسهم. قال ابن جعفر: فقلت له إن الله لم يزل يعرف أباك في الرفق خيرا، فإن رأيت أن ترفق بهم وتتجاوز عنهم فعلت، فإنما هم أهلك وعشيرتك، وإنما تقتل بهم نفسك إذا قتلتهم. قال: أقتل وأشفى نفسي، فلم أزل ألح عليه فيهم، وأرفقه عليهم، وكان لي سامعا ومطيعا، فقال لي: إن ابن الزبير حيث علمت من مكة، وهو زعم أنه قد نصب الحرب، فأنا أبعث إليه الجيوش، وآمر صاحب أول جيش أبعثه أن يتخذ المدينة طريقا، وأن لا يقاتل، فإن أقروا بالطاعة، ونزعوا عن غيهم وضلالهم، فلهم علي عهد الله وميثاقه، أن لهم عطاءين في كل عام، ما لا أفعله بأحد من الناس طول حياتي، عطاء في الشتاء، وعطاء في الصيف، ولهم علي عهد أن أجعل الحنطة عندهم كسعر الحنطة عندنا، والحنطة عندهم سبعة آصع (1) بدرهم، والعطاء الذي يذكرون أنه احتبس عنهم في زمان معاوية فهو علي أن أخرجه لهم وافرا كاملا، فإن أنابوا وقبلوا ذلك، جاوز إلى ابن الزبير، وإن أبوا قاتلهم، ثم إن ظفر بها أنهبها ثلاثا، هذا عهدي إلى صاحب جيشي لمكانك ولطلبتك فيهم، ولما زعمت أنهم قومي وعشيرتي. قال عبد الله بن جعفر. فرأيت هذا لهم فرجا، فرجعت إلى منزلي فكتبت إليهم من ليلتي كتابا إلى أهل المدينة، أعلمهم فيه قول يزيد، وأحضهم على الطاعة والتسليم، والرضا والقبول لما بذل لهم، وأنهاهم أن يتعرضوا لجيوشه، وقلت لرسولي: اجهد السير، فدخلها في عشر، فو الله ما أرادوا ذلك ولا قبلوه، وقالوا: والله لا يدخلها عنوة أبدا. كتاب يزيد إلى أهل المدينة قال: وكتب يزيد إلى أهل المدينة كتابا، وأمر عثمان بن محمد يقرؤه عليهم، فقدم الكتاب المدينة، وعثمان خائف، فقرأه عليهم، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإني قد نفستكم حتى أخلفتكم، ورفعتكم حتى أخرقتكم (2)، ورفعتكم على رأسي ثم وضعتكم، وايم الله لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لاطأنكم وطأة أقل منها عددكم وأترككم أحاديث تتناسخ (3) كأحاديث عاد وثمود، وايم الله لا يأتيكم منى أولى من عقوبتي، فلا أفلح من ندم. ________________________________________ (1) سبعة آصع: 14 قدحا مصريا، الآصع جمع صاع وهو قدحان مصريان. (2) أخرقتكم: وجدتكم خرقى أي حمقى. (3) تتناسخ: أي تكتب وتنسخ في الكتب. (*) ________________________________________