[ 176 ] الحسين، فو الله ما يسرني أن لي الدنيا وما فيها، وما أحسب أن قاتله يلقى الله بدمه إلا خفيف الميزان يوم القيامة. فقال له مروان مستهزئا: إن كنت إنما تركت ذلك لذلك فقد أصبت. خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية قال: وذكروا أن يزيد بن معاوية عزل خالد بن الحكم عن المدينة، وولاها عثمان ابن محمد بن أبى سفيان الثقفي، وخرج الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير إلى مكة وأقبل عثمان بن محمد من الشام واليا على المدينة ومكة وعلى الموسم في رمضان، فلما استوى على المنبر بمكة رعف، فقال رجل مستقبله: جئت والله بالدم، فتلقاه رجل آخر بعمامته. فقال: مه، والله عم الناس. ثم قام يخطب، فتناول عصا لها شعبتان، فقال: مه: شعب والله أمر الناس، ثم نزل. فقال الناس للحسين: يا أبا عبد الله، لو تقدمت فصليت بالناس ؟ فإنه ليهم بذلك إذ جاء المؤذن، فأقام الصلاة، فتقدم عثمان فكبر، فقال للحسين: يا أبا عبد الله، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال: الصلاة في الجماعة أفضل. قال: فصلى، ثم خرج، فلما انصرف عثمان ابن محمد من الصلاة، بلغه أن الحسين خرج. قال: اركبوا كل بعير بين السماء والارض فاطلبوه، فطلب، فلم يدرك. قال: ثم قدم المدينة، فأقبل بن ميثاء بسراح (1) له من الحرة (2)، يريد الاموال التي كانت لمعاوية، فمنع منها، وأزاحه أهل المدينة عنها، وكانت أموالا اكتسبها معاوية، ونخيلا يجد (3) منها مئة ألف وسق (4) وستين ألفا، ودخل نفر من قريش والانصار على عثمان، فكلموه فيها فقالوا: قد علمت أن هذه الاموال كلها لنا، وأن معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا قط درهما فما فوقه، حتى مضنا الزمان، ونالتنا المجاعة، فاشتراها منا بجزء من مئة من ثمنها، فأغلظ لهم عثمان في القول، واغلظوا له. فقال لهم: لاكتبن إلى أمير المؤمنين بسوء رأيكم، وما أنتم عليه من كمون (5) الاضغان القديمة، والاحقاد التى لم تزل في صدوركم، فافترقوا على موجدة، ثم اجتمع رأيهم على منع ابن ميثاء القيم عليها، فكف عثمان بن محمد عنهم، وكتب بأمرهم إلى يزيد بن معاوية. ________________________________________ (1) سراح: جمع سرح وهي جماعة الابل التى تسرح للرعى. (2) الحرة: الارض المرتفعة. (3) يجد: يقطع. (4) الوسق: ماية وعشرون قدحا مصريا. (5) كمون الاضغان: استتارها واختفاؤها. (*) ________________________________________