[ 88 ] الروايات، فنوم العاقل في الحقيقة معراج له بخلاف سهر الجاهل، أو لأن العاقل لا ينام إلا بقدر الضرورة ويجعل نومه وسيلة إلى عبادة اخرى ولا شك أن نومه على هذا الوجه عبادة مستندة إلى العقل وسهر الجاهل لأجل العبادة وعبادة غير مستندة إليه وظاهر أن العبادة المستندة إلى العقل أفضل من العبادة الغير المستندة إليه، وقد سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا من الحرورية أي الخوارج يتهجد ويقرء فقال: " نوم على يقين خير من صلاة في شك " (1) والوجه فيه ظاهر لأن صلاة الشاك فيما يجب الاعتقاد فيه لا ينفعه ونوم المؤمن له فوائد كثيرة (وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل) أي انتقاله من بلد إلى بلد في طاعة الله تعالى كالحج والجهاد ونحوهما مع أن في الشخوص مشقة زائدة على الإقامة وذلك لأن عقل العاقل وإن كان جسمه مقيما سائر في المقامات العالية التي لا تخطر ببال الجاهل أبدا وله في كل آن سفر روحاني وشهود رباني ولا شبهة في أن سير الروح في معارج العرفان مع سكون الجسم أفضل من سير الجسم في البلدان مع سكون الروح أو لأن، إقامة العاقل وسكونه عبادة كشخوص الجاهل ولا ريب في أن عبادة العاقل وأشرف من عبادة الجاهل أو لأن روح الطاعة واعتبارها هو النية وقصد القرية ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة واليقين والجاهل بمعزل عنهما (ولا بعث الله نبيا ولا رسولا) من باب ذكر الخاص بعد العام لأن النبي أعم من الرسول كما سيجئ في الباب الثالث من كتاب الحجة. (حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته) لأنه واسطة بينهم وبين الله تعالى فيستحيل أن يكون في امته من هو أفضل منه عقلا أو مساويا، لاستحالة ترجيح المفضول على الأفضل وترجيح أحد المساويين على الآخر وفيه مدح عظيم للعقل والعقلاء حيث حكم بأن التفاضل في الدرجة والتشريف بشرف النبوة والرسالة إنما حصل به ولذلك صار خاتم المرسلين أشرف المخلوقات أجمعين ولولاه لما خلق الله السموات والأرضين ولا الملائكة المقربين لأن عقله نور رب العالمين به أخذ النور كل نبي وكل وصي في ديجور الإمكان كما أن الكواكب تستضئ بنور الشمس في ظلمة الليالي وإن كانت غائبة في الحس، فإذا طلعت قهر نورها على أنوار الكواكب ومنه يظهر سر نسخ شريعته الغراء لشرايع الأنبياء (وما يضمر النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين) لكون عقله أفضل وأرفع من عقولهم لأن عقله لشدة اتصاله بنور الحق جل شأنه كمال محض لا نقص فيه قطعا ونور صرف لا يشوبه ظلمة أصلا وذلك الاتصال بمنزلة اتصال الحديد بالنار وتأثره منها بحيث يصير نارا صرفا يمحو هويته حتى يؤثر في غيره مثل تأثيرها، وبه يشعر قوله تعالى ليلة المعراج خطابا له (صلى الله عليه وآله) " وما يتقرب عبدي إلي بشئ أحب مما افترضت ________________________________________ 1 - أورده الشريف الرضي - رحمه الله - في النهج باب المختار من حكم امير المؤمنين (ع) تحت رقم 97. (*) ________________________________________