[ 48 ] لا حيلة له في طلب الغذاء ولا دفع الضرر ولا جلب النفع كيف يجري إليه في تلك الأحوال جميع ما يحتاج إليه وكيف يجعل له ثدي الام بمنزلة الأداوتين وكيف يجعل له الدم لبنا خالصا وكيف يحرك هو شفتيه طلبا لغذائه، عرف أن كل هذه الامور وغيرها مما لا يعد ولا يحصى بأمر صانع عليم خبير قدير مدبرا أوجد كل ذرة من ذرات هذا العالم بعلم وقدرة وتدبير لا إله إلا هو تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيرا. (وندبهم) أي دعاهم (الى معرفته) أي معرفة ذاته وصفاته وشرايعه وأحكامه كما يرشد إليه قوله (لئلا يبيح لهم أن يجهلوا دينه) الذي شرعه لنظام أحوالهم وانقيادهم بالعبودية (وأحكامه) الخمسة المعروفة (لأن الحكيم لا يبيح الجهل به والانكار لدينه) لأرباب الاستعداد وأهل الصحة والسلامة، ولعل المراد بالانكار الجهل بناء على أن إنكار الشئ مستلزم للجهل به، فيطبق الدليل على المدعى (فقال جل ثناؤه) الفاء تفصيل لقوله " ندبهم " أو تعليل له، أو لقوله " لأن الحكيم لا يبيح الجهل والإنكار لدينه " (ألم يؤخذ عليهم) إنكار للنفي أي أخذ على أهل الكتاب (ميثاق الكتاب) أي الميثاق المذكور في الكتاب وهو التورية، والميثاق العهد (أن لا يقولوا على الله إلا الحق) وهو القول باشتراط التوبة في غفران الذنوب حتما، وفيه أن ما ذهب إليه اليهود من إثبات المغفرة بغير توبة والبت عليها نقض لميثاق الكتاب وافتراء على الله وتقول عليه بما ليس بحق " وأن لا يقولوا " عطف بيان للميثاق أو متعلق به أي بأن لا يقولوا، وقيل المراد بميثاق الكتاب قوله تعالى في التورية " من ارتكب ذنبا عظيما فانه لا يغفر إلا بالتوبة " وحينئذ قوله " أن لا يقولوا " مفعول له ومعناه لئلا يقولوا، ثم الآية وإن نزلت لسبب مخصوص كما ذكره المفسرون إلا أنا قد بينا في الاصول أن خصوص السبب لا يخصص عموم الحكم، وعلى هذا دلت الآية على أنه يجب على هذه الامة أيضا أن يقولوا الحق ويحرم عليهم أن يقولوا في صفاته وأفعاله وأحكامه وشرائعه ما ليس بحق، وأن يثبوا له ما هو منزه عنه من الولد والصاحبة والتجسم والتحديد والتشبيه وغير ذلك. (وقال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) قال القاضي وصاحب الكشاف: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه وفي بديهة السماع قبل أن يفقهوا ويتدبروا آياته ويعلموا كنه أمره ويفقهوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم على مخالفة دينهم ومفارقة دين آبائهم كالناشي على التقليد إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه وإن كانت أضوء من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة، أنكرها أول وهلة واشمئز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب، ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على الندب إلى معرفة الحق والقول به وذم الجهل والمنكرين لدين الحق ________________________________________