[ 41 ] منفصلة من البهائم في الفطن والعقول المركبة فيهم، محتملة للأمر والنهي وجعلهم جل ذكره صنفين: صنفا منهم أهل الصحة السلامة وصنفا منهم أهل الضرر والزمانة، فخص أهل الصحة والسلامة بالأمر والنهي بعدما أكمل لهم آلة التكليف ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر إذ قد خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم وجعل عز وجل سبب بقائهم أهل الصحة والسلامة وجعل بقاء أهل الصحة والسلامة بالأدب والتعليم، فلو كانت الجهالة جائزة لأهل الصحة والسلامة لجاز وضع التكليف عنهم وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرسل والآداب وفي رفع الكتب والرسل والآداب فساد التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر فوجب في عدل الله عز وجل وحكمته أن يحض من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي لئلا يكونوا سدى مهملين، وليعظموه يوحدوه ويقروا له بالربوبية وليعلموا نه خالقهم ورازقهم، إذ شواهد ربوبيته دالة ظاهرة وحججه نيرة واضحة وأعلامه لائحة، تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل وتشهد على أنفسها لصانعها بالربوبية والالهية، لما فيها من آثار صنعه وعجائب تدبيره، فندبهم إلى معرفته لئلا يبيح لهم أن يجهلوه ويجهلوا دينه وأحكامه لأن الحكيم لا يبيح الجهل به والانكار لدينه، فقال جل ثناؤه: * (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق) * وقال * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) * فكانوا محصورين بالأمر والنهي، مأمورين بقول الحق، غير مرخص لهم في المقام على الجهل، أمرهم بالسؤال والتفقه في الدين فقال * (لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * وقال * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة المقام على الجهل، لما أمرهم بالسؤال ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم ومنزلة أهل الضرر والزمانة. ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين، فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالأدب والتعليم وجب أنه لا بد لكل صحيح الخلقة كامل الآلة، من مؤدب ودليل ومشير وآمر وناه وأدب وتعليم وسؤال ومسألة ". * الشرح: ولما فرغ عن التحميد والصلاة أراد أن يشير إلى سبب تأليف هذا الكتاب وسببه بطريق الاجمال أن رجلا من المؤمنين شكى إليه الخلائق بسوء عقايدهم وأفعالهم من اتفاقهم على الجهل بأمر الدين وتعظيمهم لأهله لعله ينزعه عن شكايته ويزيله عما يشكوه وسأله هل يسعهم المقام على الجهل والتقليد بالآباء والأسلاف أم لا، فأجاب بأن الناس على صنفين: صنف أهل الضرر والزمانة، وصنف أهل الصحة والسلامة، وهذا الصنف لا يجوز لهم المقام على الجهل بل وجب ________________________________________