[ 34 ] على المتمسك بدين الحق أن يكون عارفا عالما بوجوه المصالح والمفساد ذا بصيرة كاملة في التمييز بين الحق والباطل ليكون ثابتا راسخا فيه بحيث لا تغيره رياح فتن المخالفين ولا يحركه صرصر شبهات المعاندين. * الأصل: 7 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا خير في العيش إلا لرجلين: عالم مطاع، أو مستمع واع ". * الشرح: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا خير في العيش) أي في الحياة الدنيوية والاخروية. (إلا لرجلين عالم مطاع، أو مستمع واع) أي حافظ من وعاه إذا حفظه وفهمه، تقول: وعيت الحديث أعيه وعيا فأنا واع إذا حفظته وفهمته، وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم، فأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فإنه غير واع له، ووجه الحصر أن الخير في عيش الدنيا هو الاستقامة والثبات على الحق وعدم التحير والاضطراب فيه وعدم الانخداع من العدو الداخلي، أعني النفس الأمارة والقوة السبعية والبهيمية، ومن العدو الخارجي أعني الشيطان وجنوده وأعوانه من الفرق الضالة المضلة، والخير في عيش الآخرة هو الفوز بمقام القرب في دار المقامة والوصول إلى نعيم الأبد في دار السلامة والسرور بما أعد الله تعالى لأهل الكرامة، وشئ من هذين الخيرين لا يتحقق إلا لعالم مهتد في نفسه مطاع هاد لغيره ومتعلم مستمع منه تابع له في عقائده وأعماله وأفعاله حافظ فاهم لما يسمعه ضابط لألفاظه ومعانيه وحدوده. وأما غيرهما فهو في معيشة ضنك يتبع كل مبتدع ينعق، وكل مضل ينهق، وكل مخترع يدعو الناس إلى باطل ويميل من دين إلى آخر بأدنى ريح وينتقل من الحق إلى الباطل بأدنى تدليس وتشكيك، فلا خير في عيشهم على اليقين ولهم في الآخرة عذاب أليم، ألا ذلك هو الخسران المبين. وقد أشار إلى مضمون هذا الخبر سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: " الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع يتبعون لكل ناعق، يميلون لكل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق " (1). وفي الفائق: الهمج جمع الهمجة، وهي ذباب صغير يقع على وجوه النعم والحمير، وقيل: هو ضرب من البعوض شبه به الأراذل والسفلة، والرعاع طغام الناس وأوغادهم وأدانيهم الذين ________________________________________ 1 - النهج - أبواب الحكم، تحت رقم 147. (*) ________________________________________