[ 427 ] الاتحاد لاستحالته نقلا وعقلا لأن هذه الأعضاء مختلفة الحقائق والآثار، واستحالة اتحاد شئ من الأشياء معها أمر ضروري لا يقبل الإنكار. فلابد فيه من تأويل والذي يخطر بالبال على سبيل الاحتمال أني إذا أحببته كنت كسمعه الذي يسمع به وكبصره - إلى آخره - في سرعة الإجابة، وقوله: " إن دعاني أجبته " إشارة إلى وجه التشبيه يعني أني أجيبه سريعا إن دعاني إلى مقاصده كما يجيبه سمعه عند إراداته سماع المسموعات وبصره عند إرادته إبصار المبصرات، وهكذا، وهذا مثل قول الناس المعروف بينهم: فلان عيني ونور بصري ويدي وعضدي وإنما يريدون به التشبيه في معنى من المعاني المناسبة للمقام، ويسمون هذا تشبيها بليغا بحذف الأداة مثل زيد أسد. ويمكن أن يكون فيه تنبيه على أنه عز وجل هو المطلوب لهذا العبد المحبوب عند سمعه للمسموعات وبصره للمبصرات وهكذا. يعني مني يسمع المسموعات وبها يرجع إلي والمقصود أنه يبتدئ بي في سماع المسموعات وينتهي إلي فلا يصرف شيئا من جوارحه فيما ليس فيه رضاي، وإليه أشار بعض الأولياء بقوله: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله، وقال شيخ العارفين في الأربعين في تأويله: هذا مبالغة في القرب وبيان لاستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد وباطنه وسره وعلانيته. فالمراد - والله أعلم - اني إذا أحببت عبدي جذبته إلى محل الأنس، وصرفته إلى عالم القدس، وصيرت فكره مستغرقا في أسرار الملكوت، وحواسه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت فتثبت حينئذ في مقام القرب قدمه ويمتزج بالمحبة لحمه ودمه إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسه فتتلاشى الاغيار في نظره حتى أكون بمنزلة سمعه وبصره كما قال من قال: جنوني فيك لا يخفى، ونارى منك لا تخبو * فأنت السمع والإبصار والأركان والقلب أقول: هذا قريب مما نقل عن صاحب الشجرة الإلهية أنه قال فيها كما أن النفس في حال التعلق بالبدن تتوهم أنها هي البدن أو أنها فيه وإن لم تكن هو ولا فيه فكذلك النفس الكاملة إذا فارقت البدن وقطعت تعلقها من شدة قوتها ونوريتها وعلاقتها العشقية مع نور الأنوار، والأنوار العقلية تتوهم أنها هي فتصير الأنوار مظاهر النفوس المفارقة كما كانت الأبدان أيضا فهذا هو معنى الاتحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئا واحدا فإنه باطل، وقيل المعنى لا يسمع إلا بحق وإلى حق، ولا ________________________________________ = وللعوام وتدخلهم في الدين ضرر عظيم فقد أوجب بدع العوام الصوفية ودعاويهم وما يعرفون تنفير الناس عن كثير من العبادات ومحاسن الشريعة فلا يرغب أحد في تهذيب النفس وتحسين الأخلاق والرياضات المشروعة والأذكار والأدعية وعرض عيوب نفوسهم على البصراء بأدواء القلب والاستعلاج حذرا من التشبه بالصوفية. قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يختار أشق الأمور على نفسه حتى المباحات فإذا كان شيئا كلاهما مباحين يختار أبعدهما عن اللذة. والرياضة حسنة على كل حال. (ش). (*) ________________________________________