[ 426 ] ________________________________________ = إذا لم يكن قرينة عقلية أو نقلية متصلة أو منفصلة على إرادة خلاف الظاهر، وإذا كان كلام القائلين قرائن تدل على عدم إرادة معنى مستحيل ولا يحتمل منهم الالتزام به فالتمسك بظاهر باطل خارج عن الطريق المستقيم. قال الشارح: لابد فيه من تأويل وذلك لأن الحديث ليس مما يحتمل فيه الوضع والجعل لبعد هذه المعاني عن أذهان عامة الناس ولأنه مروي باتفاق الفريقين وإسناد مستفيض عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروته العامة في صحاحهم وأصحابنا في كتبهم وتكلموا فيه كثيرا، وأشار الشارح في المجلد الأول إلى معنى الفناء وذكرنا هناك ما يؤيده وأورد العلامة المجلسي كلام الشيخ بهاء الدين العاملي في معنى الحديث وجميع ما ذكره في مرآة العقول بطوله لا يخرج من كلامه ولا حاجة بنا إلى نقل ما فيه، ويكفي ما أورده الشارح هنا ان شاء الله جزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء ولا بأس بأن نشير إلى نكتة هنا وهي أن الالفاظ الموضوعة في اللغة العربية وسائر اللغات إنما يتبادر منها المعنى الجسماني ولعل الواضع الأول لم يضع الألفاظ إلا له كالتباين والتفارق والتقارن والوصول فإنها تدل على المكاني منها وهي معروفة في الأجسام فجسم يباين جسما لأنه في حيز وذاك في حيز آخر بعيد عنه أو قريب منه، وقد يكون معنيان في حيز واحد كالحرارة والنور في شعلة السراج، ولابد من اتحاد المكان. وأما المجردات التي لامكان لها كالنفوس والعقول فإذا أطلق هذه الألفاظ عليها يتبادر الذهن منها إلى خلاف المقصود بمعنى أنه ليس تقارن النفس والعقل حلولا نظير النور والحرارة ولا تباين نفس عن نفس بالمكان وليس إدراك أحداهما الأخرى وشعورها بها بالتماس ولا جهلها بها وعدم اطلاعها عليها بالحجاب والبعد كما يتبادر من هذه الألفاظ ولابد من التعبير عن المقصود بلفظ يقرب المعنى إلى الذهن ولا يحصل إلا بالتشبيه مهما أمكن والتشبيه لا يستلزم التشريك في جميع الصفات كما إذا أردنا تشبيه خلق السماء والأرض بالباني الذي يبني البيت فإن وجه الشبه أصل الفعل لا عدم احتياج المخلوق إلى الله بعد حصول الوجود وإذا شبهنا بالشمس والنور فوجه الشبه احتياج السماء والأرض إلى خالقهما بقاء كاحتياج النور إلى الشمس لا في عدم الاختيار في إفاضة النور، وكذلك يحتاج الحكيم إلى التعبير عن حال الإنسان بعد استكماله في العلوم الكلية فإنه سريع الاقتناض من العقول وشديد الارتباط مع الملأ الأعلى ولم يكن ربطه حال الصبى كذلك والنائم الذي يرى الرؤيا الصادقة شديد الارتباط مع الروحانيين العالمين بالغيوب وليس هذا الربط في اليقظة وليس الربط والاتصال معنى جسمانيا، بل هو معنى لم يوضع له في اللغة كلمة خاصة به لا يتبادر منه إلا المعنى العلي فاستعير لفظ بدل على معنى أقرب إليه كالفناء والاتحاد والمحو والوصول فإن الرابطة بين النفس والعقل اشد من رابطة المتعلم والمعلم وقريب من الاتحاد كأن ذهن المتعلم دخل في ذهن المعلم ورأى في ذهن معلمه ما استعد لفهمه، والتعبير بالإتحاد والفناء أقرب إلى هذا المقصود من التعبير بما يفيد القرب وأمثاله ولا يوجب ذلك تحير المستمع بعد أن أقاموا قرائن كثيرة على عدم إرادة اتحاد نظير اتحاد جسم وجسم حلول عرض وحالة في جسم كما أقاموا قرائن كثيرة على عدم إرادتهم من تشبيه بناء العالم ببناء البيت استغناء العالم عن الله تعالى في بقاء الوجود. وأما الاتحاد الذي يفهم العامة من هذا اللفظ فلا يتصور إلا بين جسمين فكأنهم تصوروا إله العالم جسما والمخلوق جسما آخر أو إله العالم عرضا وحالة والمخلوق جسما أو بالعكس وجميع ذلك غير معقول = (*) ________________________________________