[ 307 ] أو إلى القايم (عليه السلام) (على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم) ضمير التأنيث إما عايد إلى اليد والباء للسببية أو إلى الرؤوس والباء بمعنى " في " وهذا الأخير يناسبه ما قيل من أن العقل جوهر مضئ خلقه الله تعالى في الدماغ وجعل نوره في القلب يدرك الغايبات بالوسايط والمحسوسات بالمشاهدة (وكملت به أحلامهم) أي عقولهم جمع حلم بالكسر وهو الاناة والتثبت في الامور وذلك من شعار العقلاء، والمراد بجمع عقولهم رفع الانتشار والاختلاف بينهم وجمعهم على دين الحق وبكمال أحلامهم كمال عقل كل واحد واحد بحيث ينقاد له القوة الشهوية والغضبية ويحصل فضيلة العدل في جوهر البدن، والأمر ان يتحققان في عهد صاحبنا (عليه السلام) لأنه إذ خرج ينفخ الروح في الإسلام ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبي قلته ومن نازع قهره حتى رفع المذاهب من الأرض فلا يبقى في وجهها إلا دين الحق فيملأها عدلا وأمنا وايمانا كما ملئت ظلما وجورا وطغيانا فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه خير الامناء وأصحابه العارفون بالله والقائمون بأمره والمشفقون على عباده والحافظون لبلاده والعاقلون العاملون الكاملون العابدون الناصحون له فيعود الخلائق بعد التفرقة إلى الجمعية وبعد التشتت إلى المعية وبعد الكثرة إلى الوحدة وبعد التفارق إلى التوافق وبعد الجهل إلى العلم وينظرون إلى الحق بأعين سالمة من الرماد ويسلكون إليه بأقدام ثابتة في سبيل الرشاد وهذا معنى جمع عقولهم وكمال أحلامهم لأن كمالها بحسب ميلها ورجوعها إلى الحق فإذا تحقق الرجوع ثبت الكمال قطعا، هذا. وقيل: المراد باليد هنا الملك الموكل بالقلب الذي يتوسطه يرد الجود الإلهي والفيض الرباني عليه كما في قوله (صلى الله عليه وآله) " قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف شاء " (1) والمراد برؤوس العباد نفوسهم الناطقة وعقولهم الهيولانية، والمراد بجمع الله عقولهم جمع الله بواسطة ذلك الملك القدسي والجوهر العقلي (2) عقولهم من جهة التعليم والإلهام فإن العقول الإنسانية في أول نشأتها منغمرة في طبايع الأبدان، متفرقة في الحواس، متشوقة إلى الأغراض والشهوات، محبوسة في سجون الأماني وشعب الرغبات. ثم إذا ساعده التوفيق وتنبه بأن وراء هذه النشأة نشأة اخرى علم ذاته وعرف نفسه واستكمل بالعلم والحال، وارتقى إلى معدنه الأصلي، وعاد من مقام التفرقة والكثرة إلى مقام الجمعية والوحدة، ولما ثبت وتقرر أن النفوس الإنسانية من زمن آدم (عليه السلام) الخاتم (صلى الله عليه وآله) كانت متدرجة في التلطف ومترقبة في الاستعداد، وكذلك كلما جاء رسول كانت معجزة ________________________________________ 1 - أخرجه الحاكم في المستدرك ج 4 ش 321 هكذا " القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن - الحديث ". 2 - سبق أن الملك في اصطلاح أهل الشرع هو العقل الجوهري في اصطلاح الحكماء، وهذا الكلام تصريح به من قائله ولم يعترض عليه الشارع فيما اعترض عليه والقائل هو صدر الحكماء المتألهين (قدس سره) (ش). (*) ________________________________________