[ 388 ] القرب منه (واتعب بدنه) بأنحاء العبادات والرياضيات. (حتى بدت الاضلاع) لشدة هزاله بكثرة التعب وقلة الغذاء (وغارت العينان) لكثرة السهر وقلة النوم (فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه) يتحمل بها الأعمال الشاقة مع ضعف البنية (وشدة في عقله) يدرك بها الأسرار اللاهوتية ويتحمل الأنوار الملكوتية (وما ذخر له في الاخرة) من الاجر الجميل والثواب الجزيل والمقامات العالية والدرجات الرفيعة (أكثر) مما آتاه في الدنيا (فأرفض الدنيا فإن حب الدنيا) وهو ميل النفس إليها بحيث يفرح بحصولها ويحزن بفواتها. (يعمى ويصم ويبكم ويذل الرقاب) المراد بالعمي عمى البصيرة فإن حب الدنيا حاجز بينها وبين الحق وأسراره، مانع من إدراكها. ويحتمل عمى الصبر فان حبها مانع من إدراك البصر تقلبها على أهلها وإدراك نوائبها الدالة على هوانها كما أنه مانع من سماع نداه الداعي إلى فراقها وآيات الحق على زوالها وفنائها ومن التكلم بالأوامر والنواهي وتقبيح المنكرات لأن كل ذلك مناف لما إرتكبه من الميل إلى الدنيا وحب الشهوات وهو مع ذلك موجب لذل الرقاب إذ في حبها وتحصيلها وضبطها وحفظها من أهل الجور مذلة ظاهرة لاولى الالباب (فتدارك ما بقى من عمرك) واصرفه في عبادة ربك وتدارك ما فات وإنصرف عن حب الدنيا إلى المقتضيات (فتدارك ما بقى من عمرك) وإصرفه في عبادة ربك وتدارك ما فات وإنصرف عن حب الدنيا إلى المقتضيات (ولا تقل غدا وبعد غد فإنما هلك من كان قبلك باقامتهم على الأماني والتسويف) هذا قول أهل الأماني والامال ومناطه حب الدنيا فإن حبها يبعثه على صرف العمر في تحصيلها وجمعها وصرف الفكر في كيفية تحصيل ما يأمل ويرجو منها وتدبير إزالة المانع منه وهو بذلك يغفل عن أمر الاخرة وما ينفعه فيها، ولو خطر بباله يسوفه ويقول أفعله غدا وبعد غد وبعد تعمير هذه العمارة إنقضاء هذه التجاوز وإحصاد هذه الزراعة، وهكذا بعد إشتغاله المتولدة بعضها عقب بعض إلى أن يأتيه الموت بغتة وهو في خسران مبين وفيه ردع عن تسويف التوبة والعبادات والقيام على الأماني وحب الشهوات فإن كل ذلك مع قطع النظر عن كونه مانعا بالفعل قد لا يتحصل له بإتيان الموت بغتة وخروج الأمر من يده ووصوله إلى الغد ليس بإختياره على أن الرجوع من الذنوب في الغد ليس بأسهل من اليوم بل هو أصعب لأن المعصية بإستمرارها تشتد وتقوى حتى تصير ملكة فإزالتها حينئذ أشد وأصعب، فإذا عجز عن إزالة الأضعف فهو عن إزالة الأصعب أعجز. (فإنقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا) الظاهر أن فانقطع أمر معطوف على فأرفض الدنيا. والانابة الرجوع إلى الله تعالى و " من " تعليل لها وعزم عطف على قلب وهو عقد الضمير وإلا نخزال الإنقطاع. ________________________________________