[ 29 ] لأن كلمة التوحيد يعتبر فيها الاخلاص ولا يحصل الاخلاص الابسلوك مراتبه ودرجاته ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة كيفية السلوك ولا تحصل تلك المعرفة إلا بالبيان النبوي فكانت الشهادة بصدق النبيين أجل كلمة بعد كلمة الاخلاص وأنها بمنزلة الباب لها فلذلك قرنت بها وصارتا كلمتين مقارنتين لا يصح انفكاك إحديهما عن الأخرى (ورسول ابتعثه) وارشاد العباد وهدايتهم، وفي تقديم العبودية على الرسالة إشارة إلى تقدمها في التحقق (1) كما دل عليه بعض الاخبار (على حين فترة من الرسل) الفترة الضعف والانكسار وما بين الرسولين من رسل الله تعالى، يعني ابتعثه على حين فتور من الارسال وانقطاع من الوحي. وذلك الابتعاث نعمة عظيمة لا يدانيها شئ من النعماء لظهور أن خلو الزمان عن رسول فيه يستلزم وجود الشرور بمقتضى النفوس البشرية ووقوع الهرج والمرج وتلك أحوال مذمومة يلحق ذلك الزمان بها من الذم بمقدار ما يلحق زمان وجود الرسول من المدح، ولذلك ذكر من خبث أحوال ذلك الزمان وذم الخلائق فيه ما يدل على عظمة نعمة بعثته (صلى الله عليه وآله) ما استلزمه من الخيرات ليعتبروا ويعرفوا قدر تلك النعمة ويحصل لهم التوجه إلى الله ويشكروا له. (وطول هجعة من الامم) الهجع والهجعة والهجيع بالفتح في الجميع طائفة من الليل، الهجوع النوم ليلا كذا في النهاية. وقال الجوهري: " أتيت بعد هجعة من الليل أي بعد نومة خفيفة " وهي ههنا كناية عن غفلة الامم في ظلمات الجهالة عن أمر المبدء والمعاد وسائر المصالح التي ينبغي التوجه إليها. (وانبساط من الجهل) أي انتشاره في الربع المسكون وإحاطته بالامم أجميعن لفقدهم من يهديهم إلى المعارف الالهية والمصالح الدينية والدنيوية (واعتراض من الفتنة) أي عروضها في الأقاليم وإحاطتها بأهلها طولا وعرضا، أو وقوعها على غير قانون شرعي ومشيها في غير طريق عقلي ونقلي، من اعترض الشئ صار عارضا كالخشبة المعترضة في عرض النهر، والفرس الماشي في عرض الطريق من غير استقامة بتشبيهها بالفرس المتصف بهذه الصفة واستعارة لفظ الاعتراض لها. (وانتقاض من المبرم) المبرم المحكم من أبرمت الشئ أحكمته، والمراد به نظام أحوالهم وإبرام أمورهم أي استحكامها بالشرائع السالفة، والمراد بانتقاضه انقطاع ذلك النظام وانهدام بناء ذلك الاستحكام بتغيير تلك الشرائع وفسادها، فان الخلائق كلهم في زمان الفترة حرفوا الطريقة ________________________________________ 1 - قيل: ولها تقدم في الرتبة والشرف أيضا إذ العبودية حقيقة التفات إلى الحق وانتقال إليه والرسالة بالعكس فانه انتقال إلى عالم الخلق. (*) ________________________________________