[ 28 ] فأتى بالجملة الفعلية رعاية للتناسب فقال: (أحمده) أي أحمده آنا فآنا وساعة فساعة، ولما كان الحمد من أجل الطاعات واكمل العبادات إذ الحامد يلاحظ جلالا وجمالا ومنعما، وإطاعة دواء الأمراض النفسانية على حسب تفاوت مراتبها في الاخلاص كما قال سبحانه: * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * والدافعة لجميع الأمراض هي المرتبة القصوى من مراتب الاخلاص قيده بقوله: (حمدا يشفي النفوس) طلبا لتلك المرتبة ورجاء لحصولها، ثم لما كان شفاء النفس من جميع الأمراض سببا لرضاه حالا ومآلا عقبه بقوله (ويبلغ رضاه) الموجب لمزيد إمتنانه في الدنيا ورضوانه في الآخرة، ثم مفهوم الحمد وإن كان مغايرا لمفهوم الشكر لكنهما قد يصدقان على فرد ما، فوصف الحمد بقوله: (ويؤدي شكر ما وصل إلينا) حصرا للحمد هنا في ذلك الفرد لأنه أفضل أفراده وأكملها ثم بين الموصول بقوله: (من سوابغ النعماء، وجزيل الآلاء، وجميل البلاء) هذه التراكيب من باب جرد قطيفة، والمراد بسوابغ النعماء: النعماء الكاملة الوافية الواسعة، قال الجوهري: " شئ سابغ أي كامل واف وسبقت النعمة تسبغ بالضم سبوغا اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أي أتمها " والجزيل: الكثير العظيم. والآلاء بالمد النعم واحدتها الألاء بالفتح ويجوز القراءة هنا بالجمع والافراد، والبلاء الاختبار بالخير والشر، يقال: بلوته بلوا جربته اختبرته، ولا يبعد أن يراد بالفقرة الأولى النعم الباطنة كالعقل والحواس المستورة وملائماتها، وبالثانية النعم الظاهرة، وبالثالثة الاحتجاج بالرسل وابتعاثهم لأن أعظم الاختبار هو الاختبار بما جاء به الرسل: وهذه وإن كانت من النعم الظاهرة المندرجة في الثانية لكن خصها بالذكر لشدة الاهتمام بها، ثم لما كان أفضل أفراد الحمد هو الشهادة بالتوحيد وبرسالة رسولنا بخصوصه (صلى الله عليه وآله) إذ هي أصل للبواقي أشار إليهما بقوله: (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) " وحده " تأكيد للحصر وتقرير له وحال بتأويل منفردا (إلها واحدا) دل الأول على جميع صفات الكمال والثاني على جميع صفات الجلال إذ الواحد الحقيقي منزه عن أنحاء التركيب الخارجية والذهنية والتعدد وعما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز وأمثالهما (صمدا) الصمد السيد لأنه يصمد إليه في الحوائج من صمد إذا قصد، والله سبحانه هو الموصوف به على الاطلاق لاستغنائه عن غيره مطلقا واحتياج غيره إليه من جميع الجهات (لم يتخذ صاحبة) لاستحالة الشهوة والحركة عنه تعالى، ولأن اتخاذها يقتضي المجانسة بينه وبينها ولا يجانسه أحد (ولا ولدا) لأن الولد يجانس الوالد ولا يجانسه شئ، ولانه تعالى لا يلتذ بشئ لأن اللذة من لواحق الجسمية ولا يفتقر إلى ما يعنيه أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه. (وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبد انتجبه) أي اختاره واصطفاه وإنما قرنت هذه الكلمة بكلمة التوحيد ________________________________________