[ 256 ] القرآن والأخبار ويكفي في ذلك قوله تعالى: * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * والكذب رذيلة داخلة تحت الفجور وقد نطقت الآيات والأخبار على ذمه وذم المتصف به، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الكذب رأس النفاق وهو مفسدة عظيمة في الدنيا والدين " (1) والوجدان شاهد عدل بأن الكذب يسود لوح النفس ويمنعه أن ينتقش بصورة الحق ويفسد المنامات والالهامات ويؤدي إلى خراب الدنيا وقتل النفوس وأنواع الظلم والفساد ولذلك اتفق أهل العلم من أرباب الملل وغيرهم على تحريمه وادعى المعتزلة قبحه بالضرورة. (والحق وضده الباطل) هذا والسابق عليه متقاربان لأن الخبر والاعتقاد إذا طابقا الواقع كان الواقع أيضا مطابقا لهما لأن المفاعلة من الطرفين فمن حيث إنهما مطابقان أو غير مطابقين له بالكسر يسميان صدقا وكذبا ومن حيث إنهما مطابقان أو غير مطابقين له بالفتح يسميان حقا وباطلا والمقصود أن اختيار هما من جنود العقل والجهل، ويحتمل أن يراد بالحق الدين الحق المسمى بالصراط المستقيم والباطل الدين الباطل الداعي إلى سواء الجحيم وأن يراد بالحق الاقبال على الله وبالباطل الادبار عنه ولا واسطة بينهما، فوجود كل واحد مستلزم لعدم الآخر وعدم كل واحد مستلزم لوجود الآخر. (والامانة وضده الخيانة) الأمانة مصدر أمن الرجل أمانة فهو أمين إذا صار كذلك برعاية ماائتمن عليه من حقوق الحق أو الخلق وأدائه في وقته كما هو وهي تدخل في أفعال الأعضاء والجوارح كلها لأن القلب إذا استضاء بنور البصيرة يتهدي كل عضو إلى أمانته ويسعى في حمايتها وحفظها وأدائها على ما ينبغي كما تدخل الخيانة وهي مصدر خانه إذا ترك الحفظ في تلك الأفعال ومنه قوله تعالى * (يعلم خائنة الأعين) * أي مسارقتها وكثيرا ما تطلق الأمانة على ما تأتمن به صاحبك مجازا على سبيل المبالغة ومنه قوله تعالى * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * أي لما يؤتمنون عليه من جهة الحق أو الخلق وقوله تعالى * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * وفي روايات متكثرة (2) تصريح بأن المراد بأهل الامانة في هذه الآية الإمام (عليه السلام) وأن الله تعالى أمر الإمام الأول أن يدفع إلى الإمام الذي بعده كل شئ عند من أمر الإمامة وقوله تعالى * (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، انه كان ظلوما جهولا) * روي عن الصادق (عليه السلام) " أن المراد بالأمانة ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) " (3) ________________________________________ 1 - أخرجه ابن عدي في الكامل هكذا " الكذب باب من أبواب النفاق - الحديث ". 2 - سيأتي في كتاب الحجة أخباره. 3 - الكافي كتاب الحجة باب في نكت ونتف من التنزيل في الولاية تحت رقم 2. (* ________________________________________