[ 14 ] وكميتها وتفاوتها في قبول الكمال ما اختلف اثنان ولا يعير صاحب الكمال صاحب النقص (1) وهذا لاينا في تعيير من بدل فطرته الاصلية وغير استعداده الذاتية بقبح أعماله وسوء أفعاله وترك السعي فيما خلق له وطلب منه ويليق به، ومذام الشرع كلها من هذا القبيل. قوله (قال كن ماء عذبا) كلمة كن إشارة إلى ارادته وجود ما فيه حكمة مصلحة وقدرته عليه من غير لفظ ولا صوت ولا نداء ويفهم منه ان الماء العذاب أصل المؤمن ومنه شرافته ولينته وأن الماء الاجاج وهو بالضم الماء الملح الشديد الملوحة أصل الكافر ومنه خساسته وغلظته وامتزاج المائين سبب لتحقق القدرة على الخير والشر والقوي القابلة للضدين، وتولد المؤمن من الكافر بالعكس لما في أحدهما من أجزاء الاخر وصفاته ورايحته، وقد مرشئ من سر الإمتزاج آنفا ولعل خلق الجنة والنار من المائين اشارة إلى أنهار الجنة وطراوة أشجارها من الماء الأول ومياه النار ونمو أشجارها كالزقوم من الماء الثاني قال الله تعالى أنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤس الشياطين. قوله (ثم أخذطينا من أديم الارض) المراد بالطين ماامتزج بالمائين وخمر بهما كما سيجئ، وباديم الارض ما ظهر منها، وبالارض ما يشمل أرض النار وأرض الجنة الغرض من عركه ودلكه إخراج مادة كل من المؤمن والكافر عن الاخرى تميزها عنها وإخراج كل واحد منهما من مادته كما أشار إليه بقوله " فإذا هم كالذر يدبون " وجه التشبيه الصغر والحركة فقال والافات وقال لأصحاب الشمال إلى الجنة متلبيسين بسلام مني وبركات أو سالمين من الموت والافات وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي لعدم الإعتناء بهم، ثم أمر نارا فاسعرت أي أتقدت واشتعلت فقال ________________________________________ 1 - ولا يعير صاحب الكمال صاحب النقص " ان كان المراد بصاحب النقص أهل المعاصي فأول من غيرهم الله تعالى نفسه ولعنهم وبعده الملائكة والأنبياء والأولياء في آيات كثيرة وأحاديث متواترة، ولو كان مضمون هذه الرواية حقا لبطل كتاب الله تعالى والأحاديث النبوية وإجماع أهل الحق، وإن كان مخالفة فرعون لموسى (عليه السلام) لعيب في طينته ولم يجز تعييره كيف يذمه ويلعنه الله والملائكة ويتبرء منه أتباع الأنبياء واليهود والنصارى والمسلمون، قال العلامة المجلسي (رحمهم الله) أنها من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ومما يوهم الجبر ونفى الإختيار، ولاصحابنا (رضي الله عنه) عنهم فيها مسالك الأول ما ذهب إليه الأخباريون هو أنا نؤمن بها مجملا ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها، الثاني أنها محمولة على التقية، الثالث أنها كناية عن عمله تعالى بماهم إليه صائرون، الرابع أنها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم وهذا أمر بين لا يمكن انكاره وهذا لا يستلزم سقوط التكليف فإن الله تعالى كلف والنبي (صلى الله عليه وآله) بقدر ما أعطاه من الإستعداد وكلف أبا جهل ما في وسعه وطاقته، الخامس أنه لما كلف الله تعالى الأرواح أو لا في الذر واخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر بإختيارهم تفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه. انتهى ملخصا وهو حسن جدا. (ش) (*) ________________________________________