[ 6 ] تعود إلى اعتبار كونه عالما بما في العبد من الميل إلى الخيرات والعزم على امتثال أو امره والاجتناب عن نواهيه، فإذا علم منه ذلك توجه إليه لطفه فيطيب روحه ونفسه عن الفضايح ويطهر جسده وقواه عن القبائح فلا يسمع شيئا من الخير الاعرفه وصدق به وعمل به وان كان من العمليات ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره وعرف قبحه وتركه، وهكذا يفعل الله بعباده إذا علم صدق نياتهم وحسن استعدادهم. قوله (الطينات ثلاث) الاولى طينة الانبياء والمؤمنين المقرين بهم، والثانية طينة الكفرة والنواصب المنكرين المعاندين لهم، والثالثة طينة المستضعفين الذين لا يقرون بهم ولا يعاندونهم، وهذا التقسيم باعتبار المخلوق منها، فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الائمة من أن الطينات عشرة لأن ذلك باعتبار مبدء الخلق، تأمل تعرف. قوله (والمؤمن من تلك الطينة) أي قلبه أم الاعم منه ومن البدن لأن المراد بتلك الطينة طينة الجنة وهي تشملها إلا ان الانبياء خلقت قلوبهم وأبدانهم من صفوتها، أو خالصها، وأما أرواحهم فمن فوق ذلك كما مر، وهم الاصل في الايجاد والمقصودون أصالة في خلق هذا النوع ولهم فضلهم في العلم والعمل والتقدم والتقرب التام بالحق وارشاد، والمؤمنون فرع الانبياء وتلوهم في القصد والايجاد أبدانهم خلقت من طين لازب وهوم ثفل عين الانبياء سمى به لأنه الزق وأصلب من الصفو المذكور، وأما قلوبهم فخلقت مما خلق من الانبياء كما مر وكما لم يفرق الله تعالى بين الانبياء وشيعتهم في الخلقة والطينة كذلك لا يفرق بينهما في الدنيا والاخرة لأن الفرع مع الاصل والتابع من المتبوع. قوله (وقال طينة الناصب من حماء مسنون) الحماء الطين الاسود والمسنون المتغير المنتن وهو طين سجين، وقد روى أن الله عزوجل خلق أرضا خبيثة سبخة منتنة، ثم فجر منها ماء اجاجا مالحا فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها، ثم نضب ذلك الماء عنها ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة الكفرة وأئمتهم. قوله (وأما المستضعفون فمن تراب) أن خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الانبياء والمؤمينن، ولا بماء آسن اجاج كما مزجت به طينة الكافرين، فلا يكونون من هؤلاء ولا من هؤلاء ولله المشية فيهم إن شاء الله أدخلهم في رحمته وإن شاء أخرجهم منها. قوله (لا يتحول مؤمن عن ايمانه) بيان لحال كل واحد من الاقسام الثلاثة، ولا ينافيه ما قد يقع من التحول لأن المتحول من الايمان لم يكن مؤمنا في الحقيقة، وإنما اكتسب الايمان بما فيه من رائحة طينة المكتسبة بالمخالطة، فلما زالت عاد إلى ما كان عليه من الكفر في العهد القديم ________________________________________