[ 251 ] يطع الله ولا رسوله " (1) فالمعصية المقابلة للطاعة هي ترك هذه المجموع سواء كان تركه بترك جميع أجزائه أو بترك بعضها وهي رذيلة مندرجة تحت الجور موجبة للدخول في النار كما قال سبحانه * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مبين) *. (والخضوع وضده التطاول) في الصحاح الخضوع التطامن والتواضع وفي الكشاف الخضوع اللين والانقياد والتطاول إظهار حصول الطول بالفتح يعني الفضل والعلو، وسر كون الأول من صفات العاقل والثاني من صفات الجاهل أن العاقل يعرف بنور بصيرته، أن له تعالى شأنه العلو المطلق لافتقار كل شئ إليه وله أعلام الوجود لدلالة كل شئ عليه وله العزة لكون كل موجود سواه مقهورا في تصريف قدرته، وموصفا بالعجز في جريان حكمه ومشيته، وله خشوع جميع الممكنات وخضوعها في رق الحاجة والامكان لانفعالها عن سطوته، وله قوام جميع الموجودات وقيامها لتذللها من عظمته ويعرف أن إليه فزع كل ملهوف ومنه غنى كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف فيوصله تلك المعارف والكمالات إلى أعلى الفضايل وأشرف المقامات وهو مقام الفزع الله بالتخشع والتخضع والتذلل والتواضع وتطيب القلب وتلين السر فيحصل له حينئذ قلب خاضع وذهن واله ودمع منهمل وعقل مرتحل، ويؤثر ذلك في جوارحه إذ هي تابعة للقلب ومنه يظهر سر ما روي من أن " لسان المؤمن من وراء قلبه " فيصدر حينئذ من جميع أعضائه الظاهرة والباطنة أفعال مناسبة في الخشوع وأعمال متناسقة في الخضوع وفي ذلك مراتب متفاوتة ودرجات متصاعدة أرفعها الوصول إلى ساحة الحق والفناء المطلق (2) والطيران في حظاير القدس بأجنحة الكمال مع الملائكة المقربين، بخلاف الجاهل فإنه لخلوه عن تلك الحالات وغفلته عن تلك المعارف والكمالات محبوس في ظلمات الطبيعة بعيد عن التشرف بشرف تلك الفضيلة إذ قلبه في واد وجوارحه في واد آخر فلذلك أعماله غير منتظمة بروابط الخضوع وأفعاله غير متعلقة بعلائق الخشوع وهو مع ذلك يعتقد لنفسه فضيلة كاملة ورفعة بالغة ورتبة فايقة (3) وهذا معنى التطاول ________________________________________ 1 - سيأتي في كتاب الحجة باب معرفة الإمام والرد إليه. 2 - الفناء المطلق في اصطلاح العرفاء وهو أعلى مدارج السالكين وقد سبق إشارة إليه في بعض الحواشي وأوردنا فيه حديثا من كتاب عين الحياة للمجلسي رحمه الله تعالى وذكرنا تأويله للحديث بما يوافق مذاقه ولا يوافق مذاق الشارح (رحمه الله). (ش) 3 - هؤلاء جماعة من الناس محبوسون في ظلمات الطبيعة لا يعترفون بغير الموجود الجمساني ولا حقيقة عندهم غير الجسم وإدراك الجسم إنما هو بالحواس فلا يعتمدون على غير الحس ويأولون جميع السعادات الحقيقية واللذات الروحانية إلى الجسمانيات حتى تكون شيئا يدرك بالحواس وإذا تصدوا لتلعم العلوم اختاروا شيئا يدرك بالسمع والبصر لا بالعقل والفقه والاصول والكلام صعب عليهم لتوقفها على مقدمات = (*) ________________________________________