[ 396 ] بطريق الأولوية كما أشرنا إليه. قوله (ولذلك صرنا نحن وهم الناس) اللام في الناس للجنس والمراد به الكاملون في الإنسانية الموصوفون بصفاتها فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقا يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه من أفراد ذلك المسمى ولذلك يسلب عن غيره من أفراده، فيقال: زيد ليس بإنسان، وسر ذلك أن الإنسان عند أهل العرفان إما نفس الروح المتصفة بما يليق به ويطلب منه، أو هي مع البدن، وعلى التقديرين إذا ماتت الروح بموت كمالها لم يكن البدن وحده عندهم إنسانا. قوله (وصار سائر الناس همج للنار وإلى النار) (1) المراد بالناس غير من ذكر وهو من خالف الإمامية وعري عن صفة الإنسانية، والهمج محركة جمع همجة وهي ذباب صغير يقع على وجوه الغنم والحمير، وقيل: هي ضرب من البعوض شبه بها الأراذل من الناس والسفلة في عدم الاعتناء بشأنهم وإنزال الهوان والحقارة بهم، وقوله " للنار وإلى النار " إما صفة لهمج أو خبر ثان وثالث، وإلى الأصناف الثلاثة أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله " الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة ________________________________________ (1) قوله " وصار سائر الناس همجا للنار " قد مر في شرح الحديث السابق ما ينبغي أن يقال في مدخلية الجواهر الملكوتية في أبدان الأئمة (عليهم السلام) وأرواحهم بل وأبدان غيرهم والوجه في تخصيصهم، ولكن بعض من له ميل إلى استقلال المواد في الوجود وعدم احتياج الأجسام بقاء إلى العلة استبعد خلق الأبدان العنصرية من الطينة المخزونة عند العرش وانصرف ذهنه من الطينة التي عند العرش إلى مبدء لعالم المثال والأجسام المثالية، فقال: خلق الله روح الأئمة (عليهم السلام) من نور عظمته وجسمهم يعني الجسم المثالي لا العنصري من الطينة التي عند العرش وقال: إن روحهم قبل أن تتعلق بأبدانهم العنصرية تعلقت ببدن مثالي نظير ما يتعلق أرواحنا بعد الموت به، وأقول: لا حاجة إلى هذه التكلفات التي لا توافق ظاهر الخبر ولا قواعد الحكماء. وأيضا القائلون بالأجساد المثالية لا يعتقدون كونها في عرض الأبدان العنصرية بحيث يخرج من أحدهما ويدخل في الآخر كدخوله في الأول، بل التعلقان طوليان لا ينافي أحدهما الآخر والتعلق بالبدن الدنيوي مترتب على مزاج وبنية خاصة وبالبدن المثالي ليس كذلك بل هو نظير تعلق العلة بالمعلول ويمكن تكثر الأجسام المثالية بجعل الروح كما حضر أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضيافة أربعين على ما روي، ويحضر عند الموتى في مشارق الأرض ومغاربها في وقت واحد ولو كان على ما تصوره القائل المذكور لم يمكن تعلقه إلا بجسم واحد وكونه في مكان واحد لأن الروح عنده جسم وتعلقه بمعنى كون جسم في جسم فالحق إبقاء لفظ الحديث على ظاهره وتفسيره على مذهب الإلهيين من الحكماء من أن الأجسام محتاجة في بقائها إلى علتها التي أوجدها وليست النسبة بين العلة والمعلول نسبة البينونة العزلية، وظهور حكم الملكوت في الأئمة (عليهم السلام) وغلبته على مقتضى الشهوات البدنية يدلنا على كون أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة على ما ورد، ولكن الخطب سهل لضعف هذه الروايات إسنادا وعدم كون مضامينها من ضروريات المذهب، وما يقال في تفسيرها على فرض صحتها تبرع ممدوح (ش). (*) ________________________________________