[ 71 ] السماوية وانطوت عليه الأنباء النبوية وعضدته الدلائل العقلية وأيدته الأمارات الحسية والمكاشفات الذوقية. انتهى وقال عياض: روي عن علي (عليه السلام) أن الروح في الآية ملك من الملائكة، وقيل: هو القرآن وقيل هو جبرئيل، وقيل: خلق كخلق بني آدم إذا عرفت هذا فنرجع إلى المقصود فنقول والله أعلم: كما أن الروح يعني أن النفس الناطقة تسمى مطمئنة ولوامة وأمارة بالسوء باعتبارات مختلفة كذلك تسمى روح المدرج (1) باعتبار أنها مصدر للذهاب والمجئ وسبب للحركة في الحوائج، وروح الشهوة باعتبار أنها مع القوة الشهوية تشتهي طاعة الله تعالى والإتيان بالحلال من النساء وغير ذلك، وروح القدرة باعتبار أنها تقدر بسبب القدرة المعدة لها على الإتيان بما تشتهيه وروح الايمان باعتبار أن الايمان والعدل والخوف من الله ________________________________________ = لا يمكن أن يخرج منه شئ، وإن قال بكونه عرضا كسائر القوى الجسمانية الحالة في الأعضاء والجوارح كالبصر في الباصرة والسمع في الأذن والجاذبة في المعدة، فإذا مات الحيوان وتلاشى جوارحه وأعضاؤه فني ولم يبق منه شئ وهو مذهب الملاحدة والماديين وأصحاب الطبائع وليس المتدين الذي يفهم ما يقول ويتقيد بالاحتراز عن الجزاف إلا من يقول بتجرد الروح وإن لم يصرح به لعدم أنسه باصطلاح، ونعم ما قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية) * في سورة البقرة قال: وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن، تبقى بعد الموت دراكة وعليه جمهور الصحابة والتابعين وبه نطقت الآيات والسنن انتهى. وقد سبق مفصلا، ومنكر التجرد في التوحيد أيضا إما ملحد أو مجسم. (ش) (1) قوله " كذلك تسمى روح المدرج " المذهب الصحيح أن النفس في وحدته كل القوى كما أشار إليه الشارح فالبصير هو الروح والسميع هو هو إلى غير ذلك ويسمى بكل اعتبار قوة ولا مشاحة في الاصطلاح فما سمي في هذا الحديث روحا سمي في اصطلاح المتأخرين قوة والحاكم المطلق في الكمل من المؤمنين ليس روح الشهوة أي القوة الشهوية ولا روح المدرج أي القوة المحركة، وغير ذلك بل جميع أرواحهم أي قواهم مسخرة لروح الإيمان والقوة والعاقلة ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام) في روح القوة: " به قدروا على طاعة الله " وفي روح الشهوة: " فبه اشتهوا طاعة الله " وأما روح القدس التي اختص بها الأولياء والأنبياء فيسمى في اصطلاح المتأخرين القوة القدسية وبينها الشيخ في الاشارات بأبين وجه، وليس مراد الإمام ههنا جبرئيل ولا العقل الفعال إذ قال في الحديث الثالث: إذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام وليس هذا صفة جبرئيل بل صفة قوة كانت خاصة بالنبي ثم بعده (صلى الله عليه وآله) اتصف بها الإمام بعده وأما روح الإيمان فهو القوة العاقلة باعتبار توجهه إلى عالم الغيب والإلهيات وعالم الآخرة لا باعتبار تصرفه في العلوم الكونية، ثم اعلم أن درجات أفراد الإنسان في الفضائل غير متناهية جدا وبحسبها يختلف درجاتهم في الآخرة إلا أنهم جميعا لا يخرجون عن ثلاثة أقسام: الأول السابقون الذين يليق بهم أعلى العوالم وأكمل درجات الآخرة، والثاني أصحاب الميمنة وهم السعداء غير البالغين إلى رتبة الأولين، والثالث أصحاب المشئمة فإن العوالم الكلية ثلاثة: المادي محضا، والمجرد محضا، والعالم المتوسط بينهما يناسب كل منها طائفة. (ش) (*) ________________________________________