[ 70 ] حيث أراد من موارد الهلاك ومنازل الشقاء. قوله (وخاصة الله من خلقه) هم الذين سبقوا في حيازة الفضل والكمالات وبلغوا أقصى المراتب في العمل والخيرات وأفضلهم علما وأكملهم عملا وأشرفهم أخلاقا علي بن أبي طالب (عليه السلام) باتفاق الأمة. قوله (جعل فيهم) أي جعل الله تعالى بالحكمة البالغة والمصلحة الكاملة في الرسل والخاصة خمسة أرواح لحفظهم من الخطأ والخلل وتكميلهم بالعلم والعمل ليكون قولهم صدقا وبرهانا والاقتداء بهم رشدا وإيقانا كيلا يكون لمن سواهم على الله حجة يوم القيامة، ولعل المراد بالأرواح هنا النفوس، قال الصدوق في كتاب الاعتقاد: " النفوس: الأرواح التي بها الحياة وهي الخلق الأول لقوله (صلى الله عليه وآله) " أول ما أبدع الله سبحانه النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده ثم خلق سائر الخلق " وهي خلقت للبقاء لا للفناء لقوله: " ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار وأنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة " وروى في كتاب العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة جعل الله عزوجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوتها الأعلى في أرفع محل ؟ فقال (عليه السلام): " إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل - الحديث ". وقال الشيخ بهاء الملة والدين في الأربعين: المراد بالروح ما يشير إليه الإنسان بقوله: أنا، أعنى النفس الناطقة وهو المعني بالروح في القرآن والحديث، وقد تحير العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتى قال بعض الأعلام: إن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " من عرف نفسه فقد عرف ربه " معناه أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب وقوله عز وعلا: * (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * مما يعضد ذلك والذي عليه المحققون أنها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول بل هي بريئة عن صفات الجسمية منزهة عن العوارض المادية متعلقة به تعلق التدبير والتصرف فقط، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيين وأكابر الصوفية والإشراقيين وعليه استقر رأي أكثر متكلمي الإمامية كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقق نصير الملة والدين والعلامة الحلي ومن الأشاعرة الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي وهو المذهب المنصور (1) الذي أشارت إليه الكتب ________________________________________ (1) قوله " وهو المذهب المنصور " بل غير هذا المذهب إما يرجع إلى الإلحاد والزندقة أو إلى الحشو والخرافة ومنكر التجرد إن قال بكون الروح جسما داخلا في البدن لزم منه أن لا يموت أحد أبدا بعدما مات بدنه بحيث = (*) ________________________________________