[ 101 ] الأرض بلا نبات ولا حيوان، ومن ثم قيل: الأرض بما فيه من النبات والحيوان بمنزلة حيوان واحد تموت عند الجدب والشتاء ويحيى عند الخصب والربيع. والثاني: في أن الماء سبب لحياة النبات والحيوان وهما يحتاجان إليه احتياجا شديدا، ووجهه ظاهر لأن القوى النباتية والحيوانية في جذب الغذاء والإلصاق والتنمية تحتاج إلى ماء يرطب ذلك الغذاء ويعده للنفوذ في المنافذ الضيقة ويعين تلك القوى في أعمالها، وإذا فقد الماء بطلت أعمالها وإذا بطلت أعمالها عدم الحيوان والنبات وبالجملة الإنسان وسائر الحيوانات والزروع وساير النبات يحتاجون إليه في الوجود والنمو والبقاء احتياجا شديدا. وقال صاحب العدة روي أن بعض الوعاظ دخل على هارون الرشيد فقال له هارون عظني، فقال: أراك لو منعت شربة ماء عند عطشك بم كنت تشتريها ؟ قال: بنصف ملكي، قال: أتراها لو حبست عنك عند خروجها بم كنت تشتريها ؟ قال: بالنصف الباقي، قال: لا يغرنك ملك قيمته شربة ماء. الثالث: في دلالة إحياء الأرض بالمطر على وجود الصانع المدبر للعالم وذلك أن البرد في الشتاء يوجب كثافة الهواء والأرض والشجر ويبس ظاهرها فتعود القوى النباتية والحرارة الغريزية في الشجر والنبات، وتستقر في بطونها وأصولها وتهئ فيهما مواد الثمار وتولد الأمثال فإذا نزل الماء وقت الربيع الذي هو وقت بروز ما في البطون وظهور ما في الكمون انتفخت الأرض واهتزت وتحركت القوى والحرارة وتتولد المواد الكامنة في الشتاء فيطلع النبات ويتنور الأشجار والأزهار ويخرج أصناف مختلفة مونقة رايقة من الثمار التي يتمتع بها الإنسان وغيره من أنواع الحيوان، كما قال سبحانه: * (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) * وقال: * (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا) * فالعاقل اللبيب إذا نظر هذه الحركات والانقلابات وفي صنوف مختلفة من النباتات والأشجار والأزهار والأثمار من حب وعنب وقضب وزيتون ونخل ورمان وفواكه كثيرة على اختلاف أنواعها وأصنافها مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروايح يفضل بعضها على بعض في الاكل والمنافع مع أن جميعها يخرج من أرض واحدة ويسقى من ماء واحد، وتفكر ما في النباتات من ضروب المنافع وصنوف المآرب فالثمار للغذاء والنبات للعلف والحطب للوقود والخشب لكل شئ من أنواع التجارة وغيرها واللحاء والورق والاصول والعروق والصموغ وغيرها لضروب المنافع فبعضها يقوي وبعضها يغذي، وبعضها يقتل وبعضها يحيى، وبعضها يسخن وبعضها يبرد، وبعضها يدفع السوداء وبعضها يسهل للصفراء، وبعضها يقمع البلغم إلى غير ذلك من الفوائد الغير المحصورة، ورأى ما في الأوراق من شبه العروق مبثوثة في جرمها أجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها ________________________________________