[ 306 ] مكانته والذي إشتهر بعلمه وتمسكه بدينه وعرف بورعه وتقواه، ورجعت إليه الشيعة في كثير من الاقطار، وأخذوا عنه احكامهم، ولم يمنعه سمو مقامه في العلم من إتخاذ وسيلة لمعاشه، وركائز تضمن له الرفعة عما في أيدي الناس، شأن الاحرار في الدنيا، فكانت له تجارة يديرها غلمانه ويشرف عليهم بنفسه، فيعتاش مما يرزقه الله من فضله، ولم يشأ أن يثري على حساب الغير، أو يكون إتكاليا في رزقه (1). وليس من شك أن أباه أولاه عناية كبيرة، ورعاه رعاية صالحة، لانه أمله في هذه الحياة الدنيا، ورسالته الباقية بعده، نتيجة البشارة التي حبي بها من الناحية المقدسة، فكان الفتى الكامل آية في الحفظ والذكاء يحضر مجالس الشيوخ ويسمع منهم ويروي عنهم، فقد إختلف إلى مجلس شيخه محمد بن الحسن ابن الوليد - وكان من أكابر الشيوخ وأعاظم العلماء - وهو حدث السن. وأدرك من أيام أبيه أكثر من عشرين عاما إقتبس خلالها من أخلاقه وآدابه ومعارفه وعلومه ما سما به على أقرانه، حتى روى عنه جميع مصنفاته وهي مائتا كتاب فيما يذكره ابن النديم في فهرسته ص 277. قال: قرأت بخط إبنه محمد بن علي على ظهر جزء، (قد أجزت لفلان ابن فلان كتب أبي علي بن الحسين وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا)، ومع الاسف الشديد ضياع تلك الثروة العلمية الضخمة فلم نعثر إلا على أسماء ما يقارب من عشرين كتابا ذكرها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في فهرستيهما ولم يبق منهما إلا كتاب الاخوان الذي يعرف بمصادقة الاخوان ونسب إشتباها إلى ولده مؤلف هذا الكتاب ونصوصا من رسالته التي كتبها إلى إبنه. ________________________________________ (1) في نفس المصدر ص 262 تجد خبر منابذته للحلاج حين دخل قم وإخراج أبي الحسن بن بابويه له من مجلسه حين أتاه في (سرايه) محله التجاري فأمر غلمانه بأن يجروا برجله ويدفعوا بقفاه، فما رؤي بقم بعد ذلك. (*) ________________________________________