ويأتي فيه ما سلف في الرشوة على باطل أو حق وأما الأجرة وهي الثالث فإن كان للحاكم جراية من بيت المال ورزق حرمت بالاتفاق لأنه إنما أجري له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه للأجرة وإن كان لا جراية له من بيت المال جاز له أخذ الأجرة على قدر عمله غير حاكم فإن أخذ أكثر مما يستحقه حرم عليه لأنه إنما يعطى الأجرة لكونه عمل عملا لا لأجل كونه حاكما فأخذه لما زاد على أجرة مثله غير حاكم إنما أخذها لا في مقابلة شيء بل في مقابلة كونه حاكما ولا يستحق لأجل كونه حاكما شيئا من أموال الناس اتفاقا فأجرة العمل أجرة مثله فأخذ الزيادة على أجرة مثله حرام ولذا قيل إن تولية القضاء لمن كان غنيا أولى من تولية من كان فقيرا وذلك لأنه لفقره يصير متعرضا لتناول ما لا يجوز له تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال قال المصنف لم ندرك في زماننا هذا من يطلب القضاء إلا وهو مصرح بأنه لم يطلبه إلا لاحتياجه إلى ما يقوم بأوده مع العلم بأنه لا يحصل له شيء من بيت المال انتهى وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم رواه أبو داود وصححه الحاكم وأخرجه أحمد والبيهقي كلهم من رواية مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وفيه كلام قال أبو حاتم إنه كثير الغلط والحديث دليل على شرعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم ويسوي بينهما في المجلس ما لم يكن أحدهما غير مسلم فإنه يرفع المسلم كما في قصة علي عليه السلام مع غريمه الذمي عند شريح وهي ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده قال وجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه درعا له عند يهودي التقطها فعرفها فقال درعي سقطت عن جمل لي أورق فقال اليهودي درعي وفي يدي ثم قال اليهودي بيني وبينك قاضي المسلمين فأتوا شريحا فلما رأى عليا قد أقبل تحرف عن موضعه وجلس على فيه ثم قال علي لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تساووهم في المجلس وساق الحديث قال شريح ما تشاء يا أمير المؤمنين قال درعي سقط عن جمل لي أورق فالتقطها هذا اليهودي قال شريح ما تقول يا يهودي قال درعي وفي يدي قال شريح صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ولكن لا بد لك من شاهدين فدعا قنبرا والحسن بن علي فشهدا إنها لدرعه فقال شريح أما شهادة مولاك فقد أجزناها وأما شهادة ابنك فلا نجيزها فقال عليه السلام ثكلتك أمك أما سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة قال اللهم نعم قال أفلا تجيز شهادة سيدي شباب أهل الجنة ثم قال لليهودي خذ الدرع فقال اليهودي أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى لي ورضي صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فوهبها له علي رضي الله عنه وأجازه بتسعمائة