جوابه أنه محتاج إلى ذلك إذ لا يعرف إلا بطريق الشارع وإلا فإن ظاهر العمومات يقضي بجواز قتله ولو سلم تقدير الكافر في الثاني فلا يسلم استلزام تخصيص الأول بالحربي لأن مقتضى العطف مطلق الاشتراك لا الاشتراك من كل وجه ومعنى قوله ويسعى بذمتهم أدناهم أنه إذا أمن المسلم حربيا كان أمانه أمانا من جميع المسلمين ولو كان ذلك المسلم امرأة كما في قصة أم هانئ ويشترط كون المؤمن مكلفا فإنه يكون أمانا من الجميع فلا يجوز نكث ذلك وقوله وهم يد على من سواهم أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يحل لهم التخاذل بل يعين بعضهم بعضا على جميع من عاداهم من أهل الملل كأنه جعل أيديهم يدا واحدة وفعلهم فعلا واحدا وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها من صنع بك هذا فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين متفق عليه واللفظ لمسلم وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها من صنع بك هذا فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين متفق عليه واللفظ لمسلم الحديث دليل على أنه يجب القصاص بالمثقل كالمحدد وأنه يقتل الرجل بالمرأة وأنه يقتل بما قتل به فهذه ثلاث مسائل الأولى وجوب القصاص بالمثقل وإليه ذهب الهادوية والشافعي ومالك ومحمد بن الحسن عملا بهذا الحديث والمعنى المناسب ظاهر قوي وهو صيانة الدماء من الإهدار ولأن القتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إزهاق الروح وذهب أبو حنيفة والشعبي والنخعي إلى أنه لا قصاص في القتل بالمثقل واحتجوا بما أخرجه البيهقي من حديث النعمان بن بشير مرفوعا كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش وفي لفظ كل شيء سوى الحديدة خطأ ولكل خطأ أرش وأجيب بأن الحديث مداره على جابر الجعفي وقيس بن الربيع ولا يحتج بهما فلا يقاوم حديث أنس هذا وجواب الحنفية عن حديث أنس بأنه حصل في الرض الجرح أو بأن اليهودي كان عادته قتل الصبيان فهو من الساعين في الأرض فسادا تكلف وأما إذا كان القتل بآلة لا يقصد بمثلها القتل غالبا كالعصا والسوط واللطمة ونحو ذلك فعند الهادوية والليث ومالك يجب فيها القود وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم لا قصاص فيه وهو شبه العمد وفيه الدية مائة من الإبل مغلظة فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها لما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا وإن في قتل الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل فيها أربعون في بطونها أولادها قال بن كثير في الإرشاد في إسناده اختلاف كثير ليس هذا موضع بسطه قلت إذا صح الحديث فقد اتضح الوجه وإلا فالأصل عدم اعتبار الآلة في إزهاق الروح بل ما أزهق الروح أوجب القصاص المسألة الثانية قتل الرجل بالمرأة وفيه خلاف ذهب إلى قتله بها أكثر أهل العلم وحكى بن المنذر الإجماع على ذلك لهذا الحديث وعن الحسن البصري أنه لا يقتل الرجل بالأنثى وكأنه يستدل بقوله تعالى والأنثى بالأنثى ورد بأنه ثبت في كتاب عمرو بن حزم الذي تلقاه الناس بالقبول أن الذكر يقتل بالأنثى فهو أقوى من مفهوم الآية وذهبت الهادوية إلى أن الرجل يقاد بالمرأة ويوفى ورثته نصف ديته قالوا لتفاوتهما في الدية ولأنه تعالى قال والجروح قصاص ورد بأن التفاوت في الدية لا يوجب التفاوت في النفس ولذا يقتل عبد قيمته ألف بعبد قيمته عشرون وقد وقعت المساواة في القصاص لأن المراد بالمساواة في الجروح أن لا يزيد المقتص على ما وقع فيه من الجرح المسألة الثالثة أن يكون القود بمثل ما قتل به وإلى هذا ذهب الجمهور وهو الذي يستفاد من قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به