ما روي عن أبي حنيفة انتهى فتحصل من هذا أن تطيين القبر أي جعل الطين عليه والحجارة مكروه وكذلك تبييضه وكذلك البناء عليه نفسه وكذلك التحويز حواليه ببيت ونحوه إذا لم يقصد بذلك المجاهاة ولا التمييز فإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو حواليه أو تبييضه أو تطيينه حرم فيكون الضمير في قوله بوهي به راجع إلى المذكور جميعه قال ابن الفرات في شرحه ويحسن أن يعود الضمير في قوله وإن بوهي به على المذكور فيه أي وإن قصد المباهاة بالبناء أو التحويز أو التبييض حرم لأن زينة الدنيا ارتفعت بالموت انتهى ويؤيده أيضا كلام ابن عبد السلام المتقدم أعني قوله وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه وقوله وجاز للتمييز أي وجاز التحويز للتمييز ويحتمل أي وجاز البناء على القبر والتحويز عليه للتمييز أما التحويز للتمييز فقد اتفق عليه كلام اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأما البناء على القبر نفسه للتمييز فهو الذي اختاره ابن بشير وظاهر كلام المصنف أن التحويز للتمييز يجوز مطلقا سواء كانت الأرض مملوكة أو مباحة أو مسبلة للدفن وهو الذي يفهم مما تقدم عن اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام ومما في نوازل ابن رشد عنه وعن القاضي عياض ونصه وكتب إليه القاضي عياض يسأله فيما ابتدع من بناء السقائف والقبب والروضات على مقابر الموتى وخولفت فيه السنة فقام بعض من بيده أمر في هدمها وتغييرها وحط سقفها وما أعلى من حيطانها إلى حدها هل يلزم أن يترك من جدرانها ما يمنع دخول الدواب أم لا قطعا للذريعة ولا يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار اليسير لتميز به قبور الأهلين والعشائر للتدافن وكيف إن قال بعضهم لبقاء جداري منفعة لصيانة ميتي لئلا يتطرف إليه للحدث عليه لا سيما ما كان منها بقرب العمارة وليس هذا عند من يوجب أن يترك عليها من الجدرات أقل ما يمنع هذا أم لا لأن الضرر العام بظهور البدعة في بنائها أو تعليتها أعظم وأشد مع أنه لا يؤمن استتار أهل الشر والفساد فيها بعض الأحيان وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه ومراعاة أشد الضررين وأحقهما مشروع بينه وجاوب عليه مشكورا مأجورا والسلام فأجاب تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا وقفت عليه وما يبنى من السقائف والقبب والروضات في مقابر المسلمين هدمها واجب ولا يجب أن يترك من حيطانها إلا قدر ما يميز به الرجل قبور قرابته وعشيرته من قبور سواهم لئلا يأتي من يريد الدفن في ذلك الموضع فينبش قبر امرأته والحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية ولا يفتقر إلى باب ثم سأله القاضي عياض عن نقض هذه الأبنية هل هي لعامة المسلمين إذا بناها بانيها في الحبس وقد علمت ما وقع في هذا الأصل من الخلاف أن ترجع إلى ملك صاحبها وهو الأشبه والصحيح أنه وإن قلنا بذلك الأصل فهذا حبس غير مأذون فيه ولا مشروع بل هو محظور منهي عنه فهو رد فأردت جوابك فأجاب النقض لأربابه الذي بنوه لا يكون حبسا كالمقبرة التي جعل فيها ولا يدخل في ذلك الاختلاف في نقض ما يبنى في الحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الوجهين وقال في موضع آخر من أجوبته ونقض ما يبنى في الروضات لا يلحق بالحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الموضعين فإنه صحيح انتهى وسئل أيضا عن قبر علا بناؤه نحو العشرة أشبار وأزيد هل يجب هدمه وتغير بدعته وكيف إن شكى بعض جيرانه أنه يستر باب فندقه عن بعض الوراد ويمنعه النظر للجلاس في أسطوانته هل لصاحب الفندق فيه حجة إذ يقول منعتني منفعتي لغير منفعة بل لما لا يجوز وهل لأولياء القبر حجة فيجوز لهم بناؤه وكيف إن كان بناؤه قبل بناء الفندق فأجاب إن كان البناء على نفس القبر فلا يجوز ويهدم وإن لم يكن إلا حواليه كالبيت يبنى عليه فإن كان في ملك الرجل وحقه