ذلك إحياء للمهج وإبقاء للرمق وأما إن كان اشتراه من الأسواق واحتكر وأضر بالناس فيشترك فيه الناس بالسعر الذي اشتراه به انتهى وقال أيضا في قوله في الحديث كان ينفق على أهله نفقة سنة فيه ما يدل على جواز ادخار قوت العيال سنة ولا خلاف فيه إذا كان من غلة المدخر وأما إذا اشترى من السوق فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس وهذا مذهب مالك في الادخار مطلقا انتهى ونقله النووي عن القاضي عياض في الاشتراء من السوق وإنه إن كان في وقت ضيق الطعام فلا يجوز بل يشتري ما لا يضيق على المسلمين كقوت أيام أو أشهر وإن كان في وقت سعة اشترى قوت سنة كذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء وعن قوم إباحته مطلقا قال النووي والحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس انتهى والله أعلم وللبيع ثلاثة أركان الأول الصيغة الثاني العاقد والمراد به البائع والمشتري الثالث المعقود عليه والمراد به الثمن والمثمن فهي في الحقيقة خمسة ولكن لما كان البائع والمشتري يشتركان في الشروط عبر عنهما بلفظ العاقد وكذا الثمن والمثمن وبدأ المصنف بالكلام على الركن الأول فقال ص ينعقد البيع بما يدل على الرضا وإن بمعاطاة ش وإنما بدأ بالكلام عليه لقلته أو لأنه أول الأركان في الوجود ثم بعده يحصل تقابض العوضين ولا يقال العاقد سابق عليه لأن الصيغة كلام أو فعل يصدر منه وهما صفة له وصفة الشيء متأخرة عنه لأنا نقول إذا أمعنت النظر وجدت العاقد محل الركن ومحل الماهية أو محل ركنها كما يكون ركنا قاله ابن عبد السلام فالعاقد إنما يصح وصفة بذلك بعد صدور العقد منه فتأمله والله أعلم ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة التي ينعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا من البائع ويسمى الإيجاب وما يدل على الرضا من المشتري ويسمى القبول وسواء كان الدال قولا كقول البائع بعتك وأعطيتك وملكتك بكذا وشبه ذلك وقول المشتري اشتريت وتملكت وابتعت وقبلت وشبه ذلك أو كان فعلا كالمعاطاة وهي المناولة قاله في الصحاح وقال الشيخ زروق هي أن يعطيه الثمن فيعطيه المثمن من غير إيجاب ولا استيجاب انتهى لأن الفعل يدل على الرضا عرفا والمقصود من البيع إنما هو أخذ ما في يد غيرك بعوض ترضاه فلا يشترط القول ويكفي الفعل كالمعاطاة والدليل على أن حصول الرضا ركن في البيع قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فعلم من هذا أن الدال على الرضا المسمى بالإيجاب والقبول تارة يكون قولا فلا كلام في انعقاد البيع به كما إذا قال البائع بعتك بكذا وقال المشتري اشتريت منك بكذا فلا اختلف أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء والقبول في المجلس قبل التفرق قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب ونقله ابن عرفة وتارة يكون فعلا واختلف فيه فذهب مالك رحمه الله وجماعة إلى الاكتفاء بذلك وذهب جماعة من أهل العلم إلا أنه لا ينعقد إلا بالقول قال ابن رشد في المذهب واتفق الفقهاء على انعقاده باللفظ الدال على الرضا واختلفوا في انعقاده بالمعاطاة فذهب مالك إلى انعقاده بها مطلقا ومنعه الشافعي مطلقا وقال أبو حنيفة ينعقد بها في المحقرات خاصة وإليه مال الغزالي انتهى واحتج الشافعية بأن الفعل لا دلالة بالوضع فلا ينعقد به البيع واحتج المالكية بما تقدم من أن الأفعال وإن انتفت منها الدلالة الوضعية ففيها دلالة عرفية وهي كافية إذ المقصود من التجارة إنما هو أخذ ما في يد غيرك بدفع عوض عن طيب نفس منكما فتكفي دلالة العرف