ذكر صلاة العشاء من تلك الليلة ثم قال وحكى ابن بشير قولا آخر لم يسلم قائله على عادته فيما يحكيه من الأقوال وهو تقديم الصلاة لعظم قدرها في الشرع ولاستحقاقها الوقت يعني أن الصلاة والحج وإن كان كل واحد منهما من أركان الإسلام إلا أن تقديم الصلاة على الحج معلوم قطعا فإذا رجح الجنس على الجنس وجب مثله في الشخص على الشخص وأما قوله ولاستحقاقها الوقت فهو جيد لكن على فرضه المسألة فيمن ذكر صلاة العشاء من تلك الليلة وأما على ما قلنا إنه ظاهر كلام المؤلف وغيره إنها مفروضة في حق من تذكر فائتة قد خرج وقتها ففي استحقاقها هذا الوقت نظر وهو محل النزاع وبالجملة إن هذا القول وقول الشيخ عبد الحميد إنما يظهران على طريق ابن بشير في فرض المسألة إذ يبعد في حق المسايف المتذكر في تلك الحال منسية أن يصليها على حاله وإن كان الأمر بها على الفور وقد اختلف الناس في الوقتية في تلك الحال بما هو مذكور في غير هذا الموضع انتهى قلت ظاهر كلامه أنه لم يقف على القول بتقديم الصلاة مع فرض المسألة في الصلاة الحاضرة إلا في كلام ابن بشير وقد ذكر ابن رشد والقرافي والشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل وقال إنه المشهور قال ابن رشد في شرح المسألة السادسة من سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة لما ذكر مسألة من انفلتت دابته وهو في الصلاة وكان في ضيق من الوقت قال فإنه يتمادى في صلاته قال وإن ذهبت دابته ما لم يكن في مفازة ويخاف على نفسه إن ترك دابته حتى يصلي على ما قالوا في الحاج يصل إلى عرفة قرب الفجر ولم يصل المغرب والعشاء وهو إن مضى إلى عرفات وترك الصلاة أدرك الوقوف وإن صلى فاته الوقوف والحج في ذلك العام وأنه يبدأ بالصلاة وإن فاته لأنه قد يلزمه من النفقة والمؤنة في الحج عاما قابلا أكثر من قديمة الدابة أضعافا وهذا على القول بأن الحج على التراخي وأما على القول بأنه على الفور فهما فرضان وقد تزاحما في وقت واحد فالبداءة بالوقوف أولى لأن تأخير الصلاة التي يقضيها بالقرب أولى من تأخير الحج الذي لا يقضيه إلا إلى عام آخر ولعل المنية تخترمه دون ذلك انتهى كلام ابن رشد وقال القرافي في الفرق التاسع بعد المائة في بيان الواجبات لحقوق التي تقدم على الحج ما نصه وكذلك يقدم ركعة من العشاء على الحج إذا لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء أو الوقوف قال أصحابنا يفوت الحج ويصلي وللشافعية أقوال يقدم الحج لعظم المشقة وقيل يصلي وهو يمشي كصلاة المسايفة والحق هو مذهب مالك رحمه الله أن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا انتهى وقبله ابن الشاط وقال الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل وقد اختلف علماؤنا في الحاج يأتي مراهقا ليلة التحرير يريد أن يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر ثم يذكر أنه لم يصل صلاة العشاء فإن اشتغل بالصلاة فات الوقوف وإن وقف خرج وقت العشاء على أربعة أقوال قول يصلي ويفوت الحج والثاني عكسه والثالث يفرق بين أن يكون حجازيا فيقدم الصلاة أو آفاقيا فيقدم الوقوف والرابع يصلي كصلاة المسايف والمشهور الأول انتهى وحكى ابن بشير ثلاثة أقوال القول بتقديم الصلاة وقول ابن عبد الحكم وقول الشيخ عبد الحميد واعترض عليه بما سيأتي ذكره إن شاء الله قريبا ولم يشهر شيئا منها إلا أنه قدم القول بتقديم الصلاة وفرض ابن معلى لمسألة فيمن نسي صلاة وذكر قول ابن المواز وابن عبد الحكم وعبد الحميد ثم ذكر كلام القرافي في قواعده وفي هذا تخليط لأن القرافي إنما قاله في الصلاة الحاضرة وكذلك التادلي ذكر كلام الذخيرة أولا ثم ذكر كلام ابن بشير والتحرير ما ذكرناه فتأمله الثالث إذا علمت ذلك فلا ينبغي أن يحمل قول المصنف وصلى ولو فات على ظاهره وأنه يقدم الصلاة على الحج مطلقا ولو كانت منسية خرج وقتها على الحج كما قد يتبادر من كلام الشارح لأن هذا القول لم نقف عليه بل الكلام في تقديم الصلاة إذا كانت حاضرة فقد اختار اللخمي تقديم الوقوف مطلقا وقال صاحب الطراز الوجه عندي أن يشتغل بالحج لأنه قد تعين بالإحرام وهو يفوت فعله والصلاة وقت قضائها متسع ولو كانت صلاة تلك الليلة لم يبعد أن يقول الحج المتعين أولى به ألا ترى أنه يؤخر